بشار الحروب فنان تشكيلي فلسطيني بمفردات بصرية عالمية وتقنيات متنوعة
يعتبر أن الفلسطيني انسان قبل كل شيء والرصد المباشر لقضيته لم يعد يكفي
6/24/2010
لندن ـ 'القدس العربي' من هيام حسان: علاقة الفرد بالمكان قد لا تكون بسيطة وسهلة الحسابات كما يتصور البعض، خاصةً اذا ما كان هذا المكان هو أحد أكثر الاماكن عذاباً وتعذيباً لأهله: فلسطين. وعليه فان صعوبة الحديث عن العلاقة بالمكان أمر لا مناص منه قد يضطر المرء فيها أن يسلك طرقا عديدة ومتشعبة وربما غير متوقعة من أجل توصيف تلك العلاقة المعقدة. اختار بشار الحروب وهو فنان تشكيلي فلسطيني شاب أسلوباً غير مألوف في رصد علاقته بالمكان. وقد جاء أسلوبه هذا مفاجأة لكل من شاهد لوحات معرضه الأخير في قاعات الموزاييك في وسط لندن مؤخراً. مصدر هذه المفاجأة في المقام الأول كان لجوؤه لاستخدام لغة بصرية عالمية تتجاوز قاموس اللغة البصرية الفلسطيني.
عن المعرض وعن بشار الحروب كان لنا الحوار التالي معه:
*الملاحظ من خلال معرضك الأخير وحتى نتاجاتك السابقة أنك جد مشغول برصد علاقتك بالمكان حتى بعد أن غادرته، فلوحات معرضك الأخير قد عملت عليها خلال فترة اقامتك في لندن ولكن جوانب منها ما تزال تبحث في العلاقة مع المكان 'هناك'. هل من تفسير لذلك؟
*أشعر أحياناً بأن ارتباطي بالمكان يفوق في قوته درجة ارتباطي بالناس. وفي المعرض الأخير حاولت رصد هذا الارتباط بأسلوب أقرب للمقارنة بين تجربتي 'هنا' وتجربتي 'هناك'. ولقد حاولت أن أرصد علاقتي بوطني هذه المرة من زاوية جديدة فرضها عليَ ظرف الابتعاد عنه لفترة. أرى أن فرصة الرصد عن بعد أتاحت لي قدر أكبر من الرؤية الشمولية المتحللة من زحمة التفاصيل كما أنها ساعدتني على تفهم علاقتي بالمكان الجديد من خلال المقارنة مع علاقتي المعهودة بالمكان في الوطن. أيضاً وجدت أن أمامي فرصة متاحة للخروج عن الرصد التقليدي للمكان ودونما استخدام 'فلسطين' كوسيلة سهلة وسلم للوصول والانتشار كما يفعل بعض التشكيليين.
*لكنك لجأت الى التعبير عن علاقتك بالمكان هذه المرة بلغة بصرية عالمية تختلف عن المحلية الفلسطينية المعهودة..
*نعم أنا أسعى للبحث عن لغة المشترك الانساني واللغة العالمية التي تصل بالعلاقة مع المكان الى أكبر شريحة ممكنة من البشر مهما تنوعت وتعددت مشاربهم. لقد ولدت وعشت في فلسطين (رام الله) فكان لي علاقتي الخاصة بالمكان بموجب عناصر ومكونات أخرى مفروضة عليه وأبرزها الاحتلال الاسرائيلي الذي يصل حد تدخله في حياة الفلسطينيين الى درجة تحديد علاقاتهم بالمكان ومكوناته الأخرى، ولكني أؤمن بأن ثمة وسيلة للتعبير عن ذلك بمفردات انسانية عالمية تصلح لكل زمان ومكان وتتجاوز حدود العلاقة الفلسطينية شديدة الخصوصية بالمكان. المفردات الفلسطينية المباشرة شائعة الاستخدام قد لا تكفي وحدها للتعبير عن الحالة الفلسطينية لذلك نحن في حاجة الى مفردات انسانية مشتركة تصل بالمحلي الفلسطيني الى مستويات العالمية.
*قد يرى البعض أن استخدامك لهذه اللغة البصرية العالمية ينطوي على موقف محاباة وترحيب بالعولمة وموجباتها ...
*أنا بالتأكيد لست مع العولمة ببعدها الاقتصادي الاستغلالي رغم قناعتي بأن العولمة ما تزال غير محصورة في اطار مفاهيمي محدد، ولكني لا أجد غضاضة من محاولة عولمة عملي الذي يستند الى أساس من هويتي وجذوري الفلسطينية شديدة الخصوصية. أرى أن حقيقة كوني فلسطينيا عاش على أرض فلسطين ودفع ثمناً باهضاً لذلك كضحية من ضحايا الاحتلال الاسرائيلي الذي سلبنا مراحل مهمة في حيواتنا يشكل مصدر الهام وقوة دفع باتجاه استخدام لغة عالمية يكون لها قدرة الوصول للجميع أينما تواجدوا وبصرف النظر عن أماكنهم. أعتقد أن الفنان له دور كبير في الترويج البصري لهذه الطروحات الانسانية في اطار عولمي يتجاوز حدود مكانه وحده.
*معرضك الاخير حوى لوحات رسم تشكيلي تقليدي وأخرى مطعمة بمواد غير الالوان. واعتمدت أحياناً على التصوير الفوتوغرافي بل وحتى الفيديو ...واذن أنت لا تكتفي بتقنية واحدة ولا التقنية التقليدية في الابداع البصري التي ما تزال تهيمن على الثقافة العربية عموماً. ما هو دليلك لاستخدام تقنية دون أخرى؟
*تحكمني الفكرة في المقام الأول. بعض الأفكار أجد أن التعبير عنها لا يكون الا بتقنية الرسم التقليدي فيما أفكار أخرى غير ممكنة الا بالتصوير الفوتوغرافي وقد أجمع أكثر من تقنية في عمل واحد واذن هي الفكرة التي تتحكم في الامر بالنسبة لي. وأعتقد أن ثقافة الفنان ومعرفته بالتقنيات يساعده كثيراً في التعبير عما يجول بخاطره من أفكار.
*ألا تخشى فتور في تجاوب الجماهير سيما العربية مع تلك التقنيات غير التقليدية بل ربما حتى اتهامات بعدم التمكن من تقنية التعبير بالشكل التقليدي فتكون التقنيات الحديثة مهرباً لا أكثر أو وسيلةً لتغطية بعض أوجه النقص في الموهبة والقدرات الابداعية؟
*فلسطينياً، أعتقد أننا على قدر من الانفتاح على هذه التقنيات الجديدة وان كان هناك اختلاف في درجة التقبل من منطقة لأخرى. أنا أعيش وأعمل في رام الله وأرى أن تقنية الطرح البصري من خلال مقاطع الفيديو متقبلة ومتفهمة على العكس مما هو في الخليل التي ولدت فيها فان الامر لا زال في أطواره الاولى وغالباً ما يكون مستغرباً من قبل الجمهور. لكني أرى بأن المجتمعات العربية عموماً ما تزال حديثة العهد بهذه التقنيات غربية المصدر، كما أن الثقافة الخاصة بالابداع البصري على محدودية انتشارها ما تزال بعيدة كل البعد عن التناول العالمي الجديد الذي لا يكتفي بالالوان واللوحات وسيلةً للتعبير. وعلى المستوى الشخصي لا أجد أن استخدام هذه التقنيات يقلل من شأن قدراتي أو موهبتي في الابداع التقليدي، فقد درست الفنون الجميلة وأقمت ثلاثة معارض استندت الى وسيلة التعبير التقليدي في التعبير ولكني فضلت اللجوء الى استخدام تقنيات أخرى عندما وجدت أن الرسم التقليدي لا يكفي للتعبير عن أفكاري ومواقفي كاملةً وأن وسائلاً أخرى قد تكون أجدى وأكثر نفعاً لي. أقول ذلك رغم قناعتي بأنني ما أزال في مراحل ابتدائية من استخدام التقنيات غير التقليدية وأن هناك الكثير من الاستخدامات لهذه الوسائل ما تزال ممكنة.
*كان لك اسهامات في محاولة الارتقاء بالحركة التشكيلية الفلسطينية من خلال العمل المؤسساتي وأبرزه غاليري المحطة. كيف تقيم هذه التجربة الآن؟
*كان الهدف الاكبر من وراء فكرة غاليري المحطة أن نحاول جعل الفنون البصرية أكثر شعبويةً مما هي عليه، ولذلك فقد كانت فئتنا المستهدفة هي عامة الشعب وبسطائه اضافةً الى من هم على شيء من الاهتمام بالفنون عموماً. ولقد أفلحنا في ذلك الى حدٍ غير بسيط ونظمنا الكثير من المعرض التي استقطبت أناساً كانوا بعيدين عن تذوق الفن التشكيلي. كنا سبعة أشخاص مؤسسين من كل أنحاء الوطن وكان اعتمادنا في تنظيم النشاطات مستنداً على جهودنا الذاتية وامكاناتنا الفردية وقد ضربنا مثلاً على امكان الاعتماد على الذات دون التمويل الخارجي المشروط طيلة نحو عامين قبل أن تكبر فكرة الغاليري وتتحول الى مؤسسة لا يقوى على حملها أفراد معدودين غير مدعومين من الخارج ولا حتى من الداخل. أعتبر أن أكبر انجاز للغاليري كان برهانه عملياً على أن الفنون البصرية ليست نخبوية وأنها مطلوبة شعبياً وممكنة التحقيق على هذا الصعيد بشيء من الاهتمام والجهد، كما أن العمل في هذا الحقل ممكن دونما اذعان للشروط الخارجية للتمويل.
|