فاطمة الناهض
هل قلت أنني احبك؟
كان ينتظرني كل ليله.
هو الوحيد الذي كان ينتظرني مهما تأخرت في العودة. اقتربُ منه بتجهمٍ يقول: لا أريد ان يكلمني أحد. ولكنه يفعل. فتنساب الطمأنينة نحو روحي حين يفعل، وكأنه يعلم انه غير معنى بهذا الطيش. يسألني، كل ليلة، ان كنت قد أكلت، فأهز رأسي ان نعم، ولا أقوى على الكلام. الملم أجزائي الهائمة في فضاء آخر، والتحم بالفراش، التصق به كبرادة الحديد يجذبها مغناطيس هائل، يذهب إلى فراشه بعد ان يطفئ الأنوار ويتأكد أنني غبت عن الحياة تقريبا، اشعر بشفتيه الحانيتين فوق رأسي كلمسة ملاك عابر، وأسمع دقات قلبه تبتعد وهو يأوي إلى فراشه يرافقه الإخلاص والمعوذات. في الصباح يقدم لي أحد كوبين من الشاي القاتم الذي أعده منذ مدة طويلة، وأعاد تسخينه اكثر من مره. أتناوله بامتنان وأتبادل وإياه كلمات قليلة ثم أقبل يده واذهب في سبيلي. كنت اقرب إليه من أي إنسان على وجه الأرض، حد الحسد، وكان بإمكان أخوتي ان يقرروا قتلي ليخلو لهم وجه أبيهم، لو أرادوا، ولم أكن لأفعل شيئا. كان يقول لهم أنني "غير" وأنني لا أجد وقتا لآكل، أو أنام جيدا. وان الطيبة تقطر من أرداني لو حاولوا ان يفهموني. ويكاد قلبي ينفطر حين أسمعه خلف النافذة يهمس لهم بكل ذلك وهم يتذمرون. أقرر العودة باكراً في المساء لأقضي معه بعض الوقت، وأنسى. بعد إرهاق لا يعرف الرحمة ولا المكان، أتذكره، أهبُّ في حركة ثورية إلى سيارتي، أحمل ذنب العقوق على كأهلي، أسابق الليل، أتخيله يزرع المسافة بين غرفته وباب المنزل الخارجي بالتوجس والصبر جيئة وذهابا. افتح الباب وابتسم في وجهه اقبل يده اليمنى فيضع اليسرى على رأسي، يسألني هل أكلت، وأهزّ رأسي بنشاط مفتعل: نعم. يذهب ويعود "طاسة" صغيرة مليئة بحب الرمّان يقدمه إلى فتتسع ابتسامتي، رمّان؟ الآن؟ يبتسم: لقد فرطته ونظفته لك وقلت لابد انه سيعجبك. أرمي بأغراضي في أحد الزوايا وآخذ معي "طاسة" الرمّان إلى السرير و الساعة تقترب من الواحدة بعد الحياة .
فرقت بعدها بيننا ليال، وحيوات كثيرة، وطوتنى محيطات وبحور دون أن أقول له أنني أحبه اكثر من أي شئ في هذه الفانية. كنت عقدت العزم أن أقول له ذلك منذ دافع عن عينيّ الصغيرتين أمام أخوتي بحماس طفولي بديع، لم يخل من اللجلجة، مؤكداً أن لا علاقة لجمال العيون بحجمها، وان لي عينان فيهما من السحر ما يبعث الحياة في الصخر. وحين ضحكوا حتى كادوا ان يستلقوا على أقفيتهم، قال ان جده كان شاعرا، ولم اعرف ذلك من قبل.
لا أريد ان استعيد الآن كل تلك الأوقات التي بددتها هباء أحيانا على من لا يستحقها، وكان بإمكاني ان اقضيها معه، ازرع وحشة أيامه بالبهجة، ولياليه بالراحة والأمل. أوفر قلقه علىّ وأعود من العمل في وقت مناسب، أستطيع معه ان افتح فمي وعينيّ ببعض السعادة قبل ان أبحث عن سريري. عندما كنت اشعر بالذنب، اقنع نفسي بأن المحبة لا تقال لكننا نشعر بها وانه حتما يعلم كم أحبه، ويا لبؤس العذر.
تقادمت السنون ولم أهدأ أو اتعظ. اعتقدت انه سيعيش للأبد. سيكون هناك دائما لي، وحتى عندما وضعت طفلتي الأولى في عباءته التي تنبعث منها رائحة الوداع، تجاهلت تلك الرعشة في يده المعروقة وقلت أنها شئ عابر. بالنسبة لي لم يطعن في السن، فتحت عينيّ عليه هكذا ولا أتذكر انه كان فتياً أو رأيت له صورة أيام شبابه، ولم اشغل تفكيري بالتوقف لحظة والتفكير به بطريقة عمليه. كان تركيبة من المشاعر، لا تقترب منها الماديات. ولذلك هويت من عل حين تلقيت تلك الكلمات ذات ليل ظالم، تقول انه أصيب في قلبه الأسطوري، إصابة لا تقبل الشفاء.
كانت محركات الطائرة غير قادرة على اخفاء ذلك الدوي الذي ملأ عالمي الداخلي والذي تداعى إلى عوالم شديدة التفاهة ومتناهية الصغر في تلك اللحظات، وتمنيت ان أراه والمسه لمرة أخيره.
لم أميزه من كثرة الأنابيب الداخلة والخارجة من جسده الأسمر النحيل الذي ضمر بفعل الزمن. كان البياض المنتشر يتسلل إلى روحي فيملأني بالرغبة بالتمدد إلى جانبه لنرحل معا. أمسكت يده المعروقة اليابسة بين يدي برقة متناهيه كأنني أحمل فراشة جريحة، قالت الممرضة : انه لا يشعر بشيء، إنها مسألة وقت، استغربت من حيادها، وقلت ماذا تعرف هي، ان بيننا ما لا يمكن ان يفهمه أو يشعر به الآخرون.
فتح عينيه الواسعتين الجميلتين، ولم يبد عليه أنه ميز أحدا من المحيطين به. تلاقت نظراتنا لثانية، ثم عاد إلى غيبوبته، قلت لنفسي ربما عرفني، وبقيت على أمل ان يفتح عينيه مرة أخرى ويتحسن فأنا لم أقل له بأنني أحبه بعد، وكم أحبه، وبأنني لولاه ما كنت أنا،
لكنه لم يتحسن.
عدت. كنت اطمئن عليه كل يوم دون أمل. ثم ما لبث ان رحل في هدوء. تدافعت الذكريات والآلام كموج البحر فأغرقتني، لم أتذكر سوى ذلك البياض الذي يدعوني إلى مرافقته، وبيننا كلام كثير لم يقل، واعترافات مؤجلة عدد الرمل. وكنت هدأت قليلا لو انه عرفني . وأنني جئت من مكان بعيد لرؤيته وحده. وأنني احبه بطريقتي، وانه يعرف أنني احبه وان لم اقل له ذلك.
كنت ابحث عن راحة الضمير. عن عزاء لا استحقه، في نعمة لم اقدر وجودها في حياتي. ابحث عن سلوى لفجيعة لم يفهمها أحد.
لقد مات جزء كبير منى في صمت.
ودون ان أقول له ماذا كان يعني بالنسبة لي. استعدت في يأس كل اللحظات التي عشتها معه منذ فتحت عيني، وحتى اغمض عينيه، فلم أجد لحظة واحدة تقول له: كم أشعر بالامتنان لوجودك في حياتي، هل قلت zلك أنني احبك؟؟
حتى تلك الثانية التي التقت فيها نظراتنا وهو يعبر هذه الحياة إلى حياته الأخرى؛ لم يبد عليه فيها انه عرفني. رغم أنني لحظتها لم أكن في تلك الغرفة البيضاء، كنت في مكان لا علاقة له بالمكان، احتضن يده، وبها "طاسة" فخارية صغيرة من حب الرمان، وابتسم ملء قلبي
كل الآلام تبدأ كبيرة ثم تصغر..
إلا ذلك الألم
إلا ذلك الألم..@
Declared Death من وداعيات تيسير نظمي
In The Way to Baakora في الطريق إلى بعقورة
Farm In The Heights المزرعة في الأعالي -فصل من رواية-Part of A Novel
Sharon awakens from coma
By Mr. Hanini hanini@comcast.net
It is a rainy night, and we are at Tel HaShomer Hospital . Only one orderly is around. He is on night duty tonight in the room of the "sleeping" former Prime Minister, Ariel Sharon. Everyone but Sharon himself knows that he is no longer the Prime Minister of Israel . The orderly is sitting, peeling an apple; and G, the Israeli Secret Service (Shabak) agent, is nodding off.Suddenly, all of the machines start to beep. The PM is waking up! Sharon says, "I haven't slept like that for a long time! Get me mystrategist, Reuven Adler. I have some ideas for a new direction."The orderly says, "Good morning, sir. How do you feel?" Sharon answers, "I am dying of hunger. Where am I?"The Shabak agent continues to sleep, while the orderly explains to Sharon what had happened to him. Sharon does not take him seriously and says, "So tonight you try to fool the PM, eh?"The orderly says, "Sorry, sir; but you are really no longer the PM." After a few minutes, Sharon asks, "So--who replaced me?"The orderly answers, "Ehud Olmert." Sharon reacts, "Olmert? What will happen if war breaks out? He does not know how to run the army! At least, Shaul Mofaz is still there!" The orderly answers, "Mofaz is the Minister of Transportation." "So who is the Defense Minister?"The orderly says, "Peretz." "That old man is still alive?!" asks Sharon in wonderment. The orderly whispers, trembling, "Not Peres. Peretz, Amir Peretz." "What? Are you crazy? I close my eyes for a minute, and you guys let a Labor leader take over the defense of the country? Not all the factories in Dimona are the same.Does he know that? Listen, get Omri here right away. He will fix everything." "Sorry, sir; Omri is on his way to jail."
"My son in jail? For that nonsense? I can't believe it. So get me my lawyer quickly. Get Klagsbald." The orderly responds, "Klagsbald is on his way to jail." Sharon calms down and says, "I knew I could count on Klagsbald. He will get Omri out of it."The orderly corrects him and says, "No, sir. Klagsbald is also on his way to serve time in jail. He was driving and not paying attention and caused an accident, unintentionally hitting a car and killing a young woman who was on her way to an Olympic career, and her son." Sharon said, "So bring me Avigdor Yitzchaki. He always knows how to fix these situations." "Sorry, sir. Yitzchaki is under his own investigation for tax fraud.He fixed things too much this time." "Can't be. I know Yitzchaki. They must be framing him. So get me the Head of Police." "Sorry, sir, but Karadi is under investigation for corruption." "Of course, he is. He is the head of police. I am sure he is in the middle of a number of investigations!" "No, sir. This is an investigation against him!. And now he's had to resign." Sharon takes a deep breath. "It can't be. The whole justice system has been ruined! We must get them out of this. Get me the Minister of Internal Security, Tzachi Hanegbi." "Sir, Hanegbi has been indicted for fraud, bribery, and job fixing. He is not a minister anymore." "So get me the Justice Minister. Who did Olmert appoint?" "Chaim Ramon." "So get him here!" "Sorry sir. I can't. He resigned in the wake of accusations of sexual misconduct. At trial, he was found guilty." "What? So get me the President. That is still Katzav, right?" "Sorry sir, but Katzav may be indicted for rape. Though still technically President, he has returned to his private home in Kiryat Malachi." "So get me the Chief of Staff, Boogie (Moshe Ayalon). Sorry, I mean Halutz, right?" "Sir, he got into some trouble in the Lebanon War. Nothing criminal. He sold some stocks on the eve of the war. But he resigned, too." "Halutz? He was a young Piper pilot during the Lebanon War!" "Sir, that would be the Second Lebanon War. It happened while you were sleeping. We lost the war, but the Prime Minister said we should be patient. Victory is coming." Sharon looked around his room. "Who are you? What is your position? "I am a hospital orderly, sir." "OK. Do not tell anyone about this conversation." "You can count on me, sir." "So I'm going back to sleep."
عـــصـــيـــــــــــــــــــــــان
قصة : فاطمة الناهض
-"...لا تبدد ثروة أحلامك علىّ ،أنت لا تملك الكثير في الحقيقة، ادخر بعضها للأيام السوداء.
وبمفهومك أيضا، هذا ليس انقلابا مدروسا، انه عصيان بكل غضبه المفاجئ وسوء تنظيمه.."
هكذا أعلنت تمردي الأول، وأنا اطعن الهواء بيدي، تلوحان في كل الاتجاهات، لا أكاد أرى ما حولي..فيما تابع الجميع ما كانوا يفعلونه، دون أن يلتفت احد إلى الجهة التي جاء منها الإعصار.كأنهم غير مقصودين بكل علامات التعجب والاستفهام التي تطايرت في إنحاء المنزل.
نعم هذه أنا..حتى حين أردت أن اغضب..لم استطع اختيار الوقت، أو الكلمات المناسبة،
هذه أنا.
، بيت تعمه الفوضى..تسرح فيه الحيوانات الأليفة، التي لم تالف بعضها البعض حتى الآن، ببغاء، لا اعرف من احضره، ولا متى تعلم كل هذا السباب الوقح
،وقط لا يتركه وشأنه اغلب الوقت ،وفأر ابيض وسلحفاة وثعبان وسمكه. تستخف بوجودي ولا تخاف خطواتي المترددة. بيت يقتتل فيه الأطفال على جهاز التحكم بتلفاز قديم، خادمة، متبرمة مسّنة، اجمع وراءها إطباقا وكؤوسا مكسورة، أكثر من تلك التي غسلت، وزوج حاضر غائب، يحدق معظم الوقت في الجريدة كأنها خارطة كنز مفقود، أو كأنه يوشك على ارتداءها.
اترك كل شئ خلفي واندفع في حماس طائش، وألم ممّض.
إلى أي مكان، لا تفوح منه الأمومة ولا الأنوثة أيضا،
ودون أن اترك ملاحظة على باب البّراد كما اعتدت أن ا فعل.
لا أريد أن يعرف الجميع أين أنا..في كل ساعة من النهار..الأطفال، الزوج، الخادمة، المدرسة، أم زوجي وأمي..الحي كله، والمدينة المجاورة.. ودرب التبانة ربما. كأنهم يترصدون الهواء الذي أتنفسه..أريد أن انفلت من هذا الانتهاك غير المعلن.الذي يجبرني على عد خطاي القصيرة، وفواتيري الطويلة.ولو ليوم واحد...يوم واحد فقط.
تدفعني الريح الغاضبة باتجاه مقهى قديم، تتأرجح فوقه يافطة من النيون المطفأ، في يوم غائم،
انظر إلى النادل بتوجس وأنا اردد كمن يسمع صوته للمرة الأولى: قهوة ثقيلة.. سوداء مثل هذا اليوم، يتحاذق بلزوجة لا يحتملها فار في مصيدة:أليست ضارة بصحتك؟ أرد بابتسامة أكثر لزوجه: أتحاول أن تكون طيبا أم شريرا؟
ذلك كان فوق قدرته على الاستيعاب، مسح الطاولة بحركة بهلوانية قادمة من طبيعة المهنة، واختفى.
حاولت تعديل النهار المائل، بالاسترخاء على الكرسي المصنوع من القصب، وبتطمين نفسي على أنها شراييني أنا.
الشئ الوحيد المسجل باسمي وحدي.
وها أنا اجلس على هذا الكرسي..عارية من كل شئ. عارية من القدرة على الحلم..ومن الرجاء..من البكاء ومن الحزن الودود.والمتقطع.ين استيقظ من نومي المتقطع..عقابي الذاتي..ووسيلتي لحل كل الأمور التي تحتاج إلى حلول سريعة..جالسة على هذا الكرسي المواجه لطاولة اكبر من قدرتها على تبرير سبب مقنع لوجودها في هذا المكان، أراجع حساباتي للمرة الأخيرة..وأنا اشف..مثل ورق مصنوع من الماء.. أكاد أرى القفر الذي يدور حول شراييني..في طريقي إلى التلاشي..بين لحظة وأخرى.ماذا افعل الآن؟
قررت أن اخذ بنصيحة النادل الذي لم يعد.وأنسى أمر القهوة.
ظللت اشترى بقية النهار. كل ما لا يلزمني... احقق ما يقولونه عن ربات البيوت.المجنونات.. .المتفرغات لتربية الأطفال والأزواج والخادمات..والحياة كلها..
اللواتي لا يستطعن تحويل النهار إلى تسع وثلاثين ساعة، أو جعل الأبناء يكبرون بمعدل ثلاث سنوات في العطلة الصيفية.
ربات البيوت..المحسودات على كوابيس الصباح، وكآبة المساء.السمينات مثل حيتان صغيره والمبحوحة أصواتهن..لكثرة الصمت.
الواقفات على أطراف الأصابع حتى تصلبت أرجلهن بين الأرض والهواء، المتأهبات لمتابعة عبوديتهن من مطلع الشمس إلى مطلعها،
من قال بوذا عنهن ينصح تلميذه :لا تقربوهن يا اناندا،لا تلمسوهن يا اناندا،وان كلمتك إحداهن، لا تردن عليها،لا تردن عليها يا اناندا!
.من نسين أسماءهن الأولى، ولم يعدن يذكرنها لأن أحدا لا يناديهن بها، زوجة احمد وأم خالد وابنة عبد الله، يمّه وماما، وأمي، تبخرت أسماءهن لأنها لم تعد تستعمل..اذكر أن إحداهن ظلت تتلفت..وتفكر ما إذا كانوا يقصدونها عندما نوديت في العيادة آخر مره، باسمها الأول..بل أنها تابعت للحظات قراءة مجلة قديمة ملقاة بإهمال على الطاولة قبل أن تبتسم لها الممرضة بإشفاق وتقودها من يدها إلى غرفة الفحص ظنا منها أنها لا تسمع!
ضاق الشارع..
لمحت زميلة قديمة على الرصيف المقابل، رشيقة كانت وأنيقة، تضع نظارة سوداء في هذا اليوم الغائم، تزيدها سحرا وغموضا، وتكاد ثيابها تفتح لها الأبواب. فاختبأت خلف بائع الفواكه الطازجة، لان ما أرتديه لم يكن مناسبا للقاء أي شخص كان يعرفني قبل أن تتهافت علىّ الأيام التي تشبه بعضها والتي لم اعد اعرف تواريخها وما إذا كانت مقبلة أو مدبره.
ابتسم بائع الفواكه وقدم لي تفاحة حمراء ففررت إلى محل الأحذية آخر الشارع وتشاجرت مع البائعة، لأنها أخبرتني أن مقاسي غير متوفر.
ابتعت زهورا، منذ زمن لم افعل، منذ زمن لم افعل أشياء لي، أحبها وتحبني لأنني انشغلت عنى كثيرا بغيري.
فقدت علبة دوائي الصغيرة، في نقطة ما بين البيت ومحل الأحذية دون أن أذعر، أو أحاول البحث عنها. قدّرت أن الحياة يمكن أن تستمر هكذا، وتابعت سيرى بهدوء.فاصطدمت بالصديقة نفسها، كانت ملامحها مرهقة عن قرب، وبدت كما لو أنها تعانى من فقر دم مزمن، وبدا وجهي المتورد من برودة الهواء أكثر عافية أمام شحوبها في الواجهة الزجاجية لمخبز الحلويات لكنها كانت مفعمة بالحياة حد الانتشاء، دست في يدي بطاقة عملها، وقالت بإخلاص مرهف، خذي وقتك، ما زلت اعتقد انك ستعودين للعمل ذات يوم، قبلتني مسرعه وانطلقت بذات النشاط فيما كان قلبي يختلج بمرآها الآسر وعطرها الذي غمر المسافة بالضوء.
كادت تدهسني حافلة رعناء وأنا أتابع احتفاء الحياة بالفراشة التي اختفت في الزحام، تقبلت وعيد سائقها بصدر أرحب من البحر، بل كدت اعتذر.وكان لا بد أن تمطر، لتكتمل تفاصيل النهار ولتستمر الحياة هكذا..وحسب التوقعات، فلم تخّيب ظني أبدا.
لم أكن احمل مظله..لكنني لم اكترث، وقفت على الرصيف بأكياسي مثل فرس حرون، لم أكن أفكر بشيء أبدا، وكأنني كنت اطهر روحي من الغبش الذي علق بها لكثرة الرضا، حتى بللني المطر تماما فانتشيت، ثم تحركت بذات الهدوء المفعم بالسكينة.
تابعت سيري نحو فوضاي الغامرة وكنت قد بدأت اشعر ببعض السعادة، سعادة من تغير يومه إلى أكثر من امتداد لسابقه، وقبل أن ادخل المنزل لمحت الأطفال وأبيهم والخادمة المسنه وقد التصقت وجوههم بنافذة غرفة نومي، بلهفة لا تقدر بثمن..
كانت أنفاسهم الحارة قد نشرت الضباب دوائر مبهمة حول أنوفهم التي التصقت بالزجاج، تكاد تخترقه..بحثا عن ظلي القادم من زاوية الشارع...بدوا للحظه، قلقين علىّ، ضائعين بدوني..
ابتسمت..وأنا أتحسس البطاقة في جيبي.
وشعرت أنى بت مستعدة للتفاوض.
---------------------------------------------Mailto:fateema002@yahoo.com
بحر الرمل إحدى قصص الأديبة المبدعة فاطمة الناهض. لا أقول أن النص أجمل ماكتبت فاطمة ، ولكنه يختلف بروحه و معاناته ، فوجدتني معه. سيدة الشوق عرضت أن أترجم لها ، ولم يسعني إلا التحليق مع نصوصها ، ولا زلت بين يدي شمة. لم تكن ترجمة النص يسيرة ، لكني أقدمها بين أيديكم راجيا أن تكتمل بملاحظاتكم.
عبد الله الطيب
A Sea of Sand
Written by : Fatima Al Nahidh
Translated by : Dr. Abdallah Altaiyeb
We disregard; I emphasized every syllable of the word. Times change, we change, grow up, and start looking the other way to stay alive. But he said one sentence only, while staring at the horizon stretching endlessly before him; if only those who said this would experience what I had been through
It hadn’t been easy for me to know, in those moments whenever we reached that edge, the sun would drown in a well of darkness, and we would part with heartache. But I could swear that we, as creatures blended with myriad lusts, tended to forget our traumas so we could go on. Our enemy, the time, deliberately awarded us one motive after another to jostle forward with our pains and broken dreams on the road to the terra incognita of oblivion, only to lose them there and go back to perhaps resume the same sins and harvest desire and agony
It was neither a confession session nor a sudden strike of transparency, let a lone a planned one. We just walked and let our feet take us towards calmness, and silence walked kindly between us like a mutual friend
He stopped for a while as if trying to ascertain the place, so I stopped as well. He then marched on, and I walked next to him and the silence
There was nothing but sands across the land. They rose a bit to form a dune, rose more to look like a hill, rose more and more to perhaps become a mountain, but then went flat like a sea spreading mercilessly, and then leveled some more like an infertile dry valley
There were only sands, and nothing else! The astronomical moon seemed extremely close, much like a shield ornamenting a wall, sprinkling glistening silver on the peaks, and leaving us in a peaceful unknown
We shall have a rest on top of that dune; he clarified when we got closer to a sand dune about fifty steps away. I sensed that he said so because I had started panting with the effort of disentangling my bare feet from the softness of the sands with each step. I felt my back stoop a little as the walk upward towards the dune got steeper, as if the desert had been tilting
We walked a distance immeasurable with any decimal system ever since we left the camp an hour ago, going silently most of the time through silken sands, content merely with the company of each other
When we finally reached the top of the dune, we emerged onto a large open area of green meadow, with grass springing from the sands and extending to an end unknown to us. I screamed childishly: O God, why didn’t we camp here; my God where did this grassland come from? Is this your secret hideout
We sat down, silence along with everything before us bathed in an ocean of silver. He was looking at the far horizon, my hands were playing with the soft and juicy grass, not believing it was filling the spaces between my fingers, caressing it, touching the little flowers that glowed with sweet dew under the moonlight, forming circles, stars, lines, letters, and unlinked points
Then, like reading from a book, he said
We cannot continue looking the other way. Our pasts don’t die; we are prisoners behind no bars, we foolishly think we left them behind, but they rise in their due time, to announce their barbaric presence
My hand was still holding on to the coolness that was slowly slipping through my fingers; he was not waiting for a reply, and continued reading
That stormy night, they put us in the prison bus after covering our heads with sacks. I cannot remember how long we traveled, but it sure was a long drive, the only sound we heard was that of the squeaking joints of the bus. Sometimes we heard the sound of air ripped by a car speeding like an arrow, and every so often a coughing sound from the end of the bus broke our anxiety. We finally stopped, they got us down, uncovered our heads, and we found ourselves on sands like these
He held his arm high with a handful of sand from the heart of the grass and started slowly scattering it in the wind away from my face. He then took a deep breath
We didn’t know that there was another truck behind us, they brought from it excavating tools, piled them in front of us, and told us to get to work
Our hearts were gripped with terror. The first thing we thought, while digging under the threats of the loaded guns and the slowly growing sandstorm that had been stroking our spines, was that they were going to bury us in mass graves dug by our own hands. They didn’t talk much; they were just prompting us to dig faster, but we stalled fearfully for more time to live, and slowed down the digging
We consumed about all the time we could stall for; after all how much time do you need to dig a hole your size, and in a sandy area? We were around fifteen prisoners but they asked each of us to dig two holes
Our hearts were roaring violently, and maybe their tumult reached climax as we stood in front of our open holes waiting for orders. Some of us struggled to keep standing straight, with knees knocking in fear, before destiny gave us a break; each one of us was ordered to bring a corpse from the truck and bury it in a hole. Just then, we realized that the covered truck was carrying a load of dead people too
We walked to the truck with steps heavy like iron. Each one carried a corpse on his shoulder, headed towards his two holes, buried it hurriedly, and ran again to the truck to bring another one. I guess we were just afraid they would change their minds and ask us to jump into our second holes
We couldn’t believe when we finally got back on the bus that we had actually survived, just like that. We didn’t talk on our way back but when we reached our cells, the dawn was approaching, so we just collapsed on our bunks from tiredness and restlessness. Those of us who had dozed all through the journey continued the rest of their nightmares till sunrise
For seven nights and in the same manner, we labored in burying countless corpses. By then, we had known the exact location by calculating the distance, but we had become like machines that failed to recognize their own parts. It didn’t matter much, because we had lost forever our humanity along with our dreams
I buried fourteen people, dug their graves with my own hands, and carried them on my weary shoulders. I laid them in small holes and large holes all the same, and covered them with sands. I still could feel their smell in my lungs. Some of them were lightweight and petit, some had fresh wounds, and some had broken jaws or limbs; one of them dropped one of his eyes on my hand
In many instances, our shovels hit corpses that we had previously buried because we were so disoriented from stress. Many times, we found the graves and the corpses uncovered by the blows of the passing winds and we had to rebury them again. Sometimes the dead were actually not completely dead
He suddenly stood up and looked far away, as if to seek refuge in the stretching horizon
The dead used to visit me in the night, looking the same way they did when I buried them, and ask me, why? And honestly, all I could remember was fourteen corpses; after that I got mixed up and could not distinguish between what was real and what was mere optical hallucination. After the fourteenth corpse, whenever they got us out of the bus, we would see a large area of corpses thrown out of their graves, waiting for us, as if the sand sea spat them out to float on its waves again
Illness then rescued me from the burying rituals. I was admitted to the prison hospital for a long time before they eventually pardoned a group of us old prisoners, those whose opinions were a threat to no one any more, not even to stray animals. We were finally free of our obsession of being buried half-alive by our friends one day
I saw him clearly in the moonlight, my throat was dry, and my stomach was churning. I was afraid he would hear the beating of my heart or hear my soul fighting not to wail. He was looking straight at me and pointing to the moonlit grassland, when he said
We … buried them here
بحر الرمل
فاطمه الناهض
نتجااااااااااااااااااوز، أكَّدتُ عليها بكل (الألفات) المتجاوره،
الزمن يتغير،نحن نتغير، ننضج،و نتجاوز ،لنعيش.
لكنه قال جملة واحدة فقط، وهو ينظر الى امتداد الأفق اللانهائي: لو أن من يقول ذلك، مرّ بما مررت به.
ليس من السهل أن أعرف ، في كل اللحظات التي نصل فيها الى ذلك الحائط ،تسقط الشمس في بئر الظلام ونفترق على حزن، لكنني أكاد أجزم أن طبيعتنا كمخلوقات معجونة بالشهوات التي لا تحصى ،ميّالون لنسيان الأذى كي نستمر ،وأن عدوّنا الوقت يمنحنا السبب تلو الآخر كي نتدافع بآلامنا وأحلامنا الكسيرة نحو مجاهل النسيان،نضيّعها هناك ونعود نستأنف ربما الخطايا نفسها ونحصد اللّذائذ وآلامها..
لم تكن جلسة مصارحة ولا شفافيه مفاجئه ولا حتى مخطط لها. نحن مشينا فقط كما أخذتنا أقدامنا صوب السكينه، وصديقنا الصمت يسير بيننا حنوناً إلى ابعد مدى.
توقف قليلا كأنه يستجلي المكان فوقفت،تابع فمشيت الى جانبه، بمحاذاة الصمت.
لم يكن هناك غير الرمل على مد البصر. يرتفع قليلا فيصبح كثيبا،يرتفع أكثر فيصبح شبه هضبة،أكثر فأكثر ليبدو ربما جبلا ،ثم ينبسط كبحر ممتد بلا هواده، أكثر فيغدو مثل واد غير ذي زرع ولا ماء.
رمل ولا شيء آخر.
القمر الهائل يبدو قريبا جدا ،كأنه ترس معلق على حائط ، ينثر فضته اللامعة على كامل التخوم ويتركنا آمنين في مجهول رحيم.
سنرتاح بعد ذلك الكثيب.أوضح ونحن نقترب من ارتفاع رملي على بعد خمسين خطوة تقريبا،كان يملأني شعور بأنه قال ذلك لأني بدأت ألهث قليلا وأنا انتشل قدماي الحافيتان من الغوص في نعومة الرمل الفائقة بعد كل خطوه،ويتقوس ظهري بعض الشيء كلما ارتفع المسار صوب الكثيب، وكأن الصحراء بدأت تميل!
قطعنا مسافة لا يمكن ان أحسبها بالوحدات القياسيه،لكنا تركنا المخيم منذ ساعة تقريبا ،نجوس في رمل رقيق،صامتين اغلب المسافة وراضيين بمجرد الصحبه.
ما أن وقفنا على الكثيب حتى انكشف على نحو مفاجيء بساط ممتد من العشب ،يبدأ من الرمل ولا نعرف أين يتوقف .صرخت بطفولة: الله...لماذا لم نخيّم هنا..يا الله من أين جاء كل هذا العشب والنوّير،أهو مخبأك السري؟
جلسنا،وصديقنا الصمت، وكل ما أمامنا يعوم في الفضّه.
مد بصره صوب أفق بعيد خافت ،ويداي تعبثان بالعشب كأنني لا أصدق أنه بين أصابعي،تمشط طراوته..تتحسس "النوّير" المغموس بالضوء والندى...تصنع دوائر ونجوم..خطوطا وحروف..ونقاطا لا يصل بينها شيء.
ثم ، وكأنه يقرأ من كتاب: لا نستطيع ان نتجاوز..لأن مواضينا لا تموت..نحن أسرى بلا قضبان، نظن أننا نسينا..لكنها تنهض في وقتها،لتعلن عن وجودها الهمجي.
ظلت يدي قابضة على البروده المنسابة بين الأصابع،وهو لم يكن ينتظر أي رد ،فاستأنف القراءه:
أخرجونا في تلك الليلة العاصفة في باص السجن وقد غطوا رؤوسنا بأكياس القماش.لا أتذكر كم قطعنا كان الدرب طويلا،والصوت الوحيد الذي كنا نسمعه كان لرفّاصات الباص واحتكاك مفاصله الجافه ،أحيانا كنا نسمع صوت الهواء تشقه سيارة تمرق كسهم،وأحيانا صوت سعال في آخر الباص يقطع التوجس.
توقفنا. أنزلونا،كشفوا رؤوسنا فوجدنا أنفسنا في رمل مثل هذا،
رفع يده بقبضة رمل ناعم من بين العشب وراح يذروها ببطء بعيدا عن وجهي ثم اخذ نفسا عميقا:
لم نكن نعلم أن هناك شاحنة خلفنا. جلبوا منها أدوات للحفر ألقوها في أكوام أمامنا وقالوا هيّا.
قبض على قلوبنا الذعر ، أول ما تبادر الى أذهاننا ونحن نحفر تحت تهديد السلاح والعاصفة الرملية المتأنيه في مشيها تتحسس جذوعنا، أننا سندفن في قبور نحفرها بأيدينا،وهم لم يكثروا الكلام،كانوا يحثوننا على الإسراع ونحن نشتري وقتا إضافيا لأعمارنا بالتباطؤ في الحفر.
استهلكنا كل ما يمكن من وقت نقدر عليه، كم تحتاج لحفر حفرة على مقاسك، وعلى أرض رمليه؟كنا خمسة عشر وطلبوا أن يحفر كل منا حفرتين.
كانت قلوبنا تصخب بعنف ولربما وصل لغطها الى الحدود ونحن واقفون كل أمام حفرتيه بانتظار الأوامر.بعضنا خارت قواه واصطكت ركبتاه في الانتظار قبل أن يأتي الفرج: "كل واحد يحمل جثة من الشاحنة ويضعها في الحفرة ويهيل عليها التراب".
وعرفنا أن الشاحنة المغطاة بالقماش السميك كانت تحمل أكواما من الموتى أيضا!.
مشينا صوبها بخطوات ثقيلة كالحديد،حمل كل منا جثة على كتفه واتجه صوب حفرته، وقام بالدفن السريع ليجلب جثة أخرى كأنهم سيغيرون رأيهم فجأة ويطلبون منا القفز الى الحفرة الثانيه.
لم نصدق ونحن نصعد الى الباص أننا نجونا هكذا. لم نتكلم لكنا حين عدنا الى الزنزانات كان الفجر يقترب فارتمينا شبه مغمى علينا من التعب والهلع وكان بعضنا قد غفا في الطريق فأكمل ما تبقى من كوابيسه قبل الشروق.
.. ولسبع ليال ..وبالطريقة نفسها..كنا نكدح في دفن جثث لا تنتهي ،ورغم أننا عرفنا المكان من حساب المسافة لكننا أصبحنا في نهاية الليلة السابعة كالآلات التي لا تنتمي أجزاءها إليها، ولم يعد ذلك مهماً وقد تجردنا من إنسانيتنا وأحلامنا إلى الأبد.
دفنت أربعة عشر إنسانا ، حفرت قبورهم بيدي حملتهم على كتفي رتبت وضعهم في حفر تصغر عليهم أو تكبر قليلا، وأهلت التراب.
روائحهم ما زالت في رئتي، بعضهم كان خفيفا وضئيلا،بعضهم طري الجروح، بعضهم مهشم الفك أو مكسور الساق، وأحدهم سقطت إحدى عينيه في يدي.
كثيرا ما ارتطمت معاولنا بجثة سبق أن دفناها ونحن نخطيء مكان الحفرة الجديدة، وكثيرا ما وجدنا الرياح وقد عرّت القبور و كشفت الجثث، فدفناها من جديد. وأحيانا لا يكون الموتى...ميتون تماما!
هبّ واقفا ونظر بعيدا كأنه يحتمي بالامتداد:
كان الموتى يأتونني في الليل،بأوضاعهم التي دفنتهم عليها ،ويسألونني : لماذا؟وأُصدقك أن كل ما أتذكره هو أربعة عشر جثة، بعدها اختلطت الأمور علىّ ولم أتمكن من التمييز بين ما هو حقيقي ومستمر في الحدوث، وما كان هلوسات بصريه،فبعد الجثة الرابعة عشرة،كانوا كلما أنزلونا من الباص تراءت لنا ساحة هائلة لا متناهية من جثث ملقاة خارج قبورها وبانتظارنا،كأن بحر الرمل لفظها فطفت على سطح الموج من جديد.
تجاوز بي المرض بعدها طقوس الدفن ولازمت مستشفى السجن فترة طويلة قبل أن يصدر عفو عام شمل مجموعة قديمة من سجناء الرأي ممن لم تعد آراءهم تهدد حتى الهوام،فتحررنا من هاجس أن يدفننا أصحابنا نصف أحياء ذات يوم..
كنت أراه بوضوح في ضوء القمر، حلقي جاف وأمعائي تمور وأخشى أن يستمع الى دقات قلبي،أو يسمع روحي تقاوم النحيب . كان ينظر الىّ مباشرة حين قال مشيرا الى العشب: دفنّاهم هنا.
___________
أغسطس
|