NaZmiUS ORIGINALITY MOVEMENT NEW WEBSITE





































 

12 آذار (مارس) 2010

 

لماذا يعشق المثقفون هذه "الديمقراطية "؟ د. أحمد الخميسي.

 

لمن صوت الامريكان في الانتخابات العراقية؟ جمال محمد تقي.

 

يسار شيوعي أم يسار وطني، كاظم محمد.

 

 

لماذا يعشق المثقفون هذه "الديمقراطية " ؟

 

د. أحمد الخميسي

 

 

ترددت كثيرا في أن أكتب في موضوع د. البرادعي وترشيح البعض له رئيسا، بل إني تجنبت هذه الكتابة عن عمد منذ أن طرحت القضية التي ما زالت على رأس أولويات حركة النخبة السياسية لأتفادي المنطق السخيف الذي يقول بأنك إن لم تكن مع البرادعي فأنت مع الحكومة.

 

من حق البرادعي بالطبع مثل أي مواطن مصري أن يرشح نفسه لأي منصب، لكن السؤال يتعلق بمدى صلاحيته وبوجود برنامج محدد سياسي واقتصادي لديه خارج إطار العبارات العامة التي  أطلقها البرادعي عن نزاهة الانتخابات وتعديل الدستور والحكم الرشيد. تاريخ البرادعي هو تاريخ شخصية دبلوماسية شغلت منصبا رفيعا، وخلال ذلك صرح مرة واحدة بأنه ليس في برنامج إيران النووي ما يستحق التدخل، وردت كونداليزا رايس في حينه بأن البرادعي مجرد موظف في هيئة عامة وليس له أن يتدخل في السياسة وأن عليه أن يعرف حدوده. وأدهش البرادعي الجميع حين لم يعقب ولم يقدم استقالته، وهو موقفه ذاته عند غزو العراق بينما توفرت لديه معلومات بحكم منصبه بأن العراق لا يمتلك أسلحة دمار. وحين تصب كل أقوال البرادعي في اتجاه تعديل الدستور، ونزاهة الانتخابات، فإنه يصب جهده في الاتجاه ذاته الذي تقنعنا به أمريكا من أن أساس مشاكلنا كلها ومصدر فرحتنا كلها هي " الديمقراطية " الشكلية، وليس غياب العدل الاجتماعي والفقر والأمية ووقف التنمية الصناعية والزراعية، والأخذ بالخصصة عمال على بطال. والمكتسبات الديمقراطية بالغة الأهمية لكن في إطار السعي للتنمية والخلاص من هيمنة صندوقي النقد والبنك الدولي، وإلا صارت " ديمقراطية " كتلك التي في العراق، أي تحت وطأة الدبابات صاحبة الصوت الأعلى في أي انتخابات. والعجيب ألا تجد حركة النخبة السياسية بين صفوفها شخصية واحدة تتفق عليها فرقها وأحزابها بعد ربع القرن من الصحف والمقرات والعمل العلني. والعجيب ألا تجد النخبة " المعارضة " برنامجا لخلاص مصر من مشكلاتها إلا برنامج الثورة البرتقالية التى تغطي السماء بالألوان وتترك الواقع دون تغيير. المؤسف أيضا أن تقارن النخبة بين السيء والأسوأ، كمن يقارن بين الموت بالرصاص أو بحبل ناعم، ثم يلح في إقناعك بفائدة " الحبل "! يعد البرادعي في معظم التصورات بشأنه بالديمقراطية ويضيف إن ما يسعى إليه هو دولة تقوم على "الحداثة والاعتدال والحكم الرشيد". أما برنامجه الاقتصادي والسياسي فهو البرنامج ذاته الذي افتقر في ظله تسعة وعشرون مليون مواطن مصري يعيشون تحت خط الفقر. قل لهولاء إننا سنرشح شخصية تأتيكم بالحداثة! وتشير الأرقام الحكومية الرسمية إلي أن هناك نحو 14  مليوناً من الشباب والفتيات أدركتهم العنوسة لاستحالة توفير مسكن، وأن نسبة حالات الطلاق بلغت أربعين بالمئة معظمها تحت ضغط المعاناة الاقتصادية، وأن نحو عشرين مليون فلاح يزرعون ثمانية مليون فدان يعانون من الجوع والاهمال. قل لكل أولئك إننا نحتشد لنأتي لكم " بالحداثة " وليس ببرنامج تنمية اقتصادية وعدالة اجتماعية، واسمع ماالذي سيقولونه لك. المعطيات كثيرة وكلها تشير إلي ضرورة العثور على مخرج لكن ليس بالثورة البرتقالية. هل هي مصادفة أن يكتب ديفيد شنيكر بمجلة فوربس الأمريكية عن البرادعي بصفته " أمل على ضفاف النيل " ؟. وأن يصرح مسئول بالخارجية الأمريكية بأن واشنطن ترغب في "ظهور عملية سياسية تنافسية في مصر" ؟. نحن أيضا مع العملية التنافسية لكن ليس فقط من أجل مجرد " تنافسية " تكرس الأوضاع نفسها. لكن نخبة المثقفين تقيم المهرجانات لأنها تعشق هذه " الديمقراطية " التي يمكنك في ظلها أن تفتح فمك لتقول ما تشاء دون أن تجد طعاما تحشو به فمك أو مسكنا او علاجا أو تعليما. يعشق المثقفون هذه " الديمقراطية " لأن معظم صناعتهم " الكلام " والكلام يحتاج إلي صحف وأجور ومقالات وقنوات مرئية وسجالات، فمن كل ذلك تتشكل مصادر دخل خاصة مع دعم المؤسسات الأمريكية المالي لما يسمى المنظمات الخاصة. وهذه " الديمقراطية " هي خبز عدد كبير من المثقفين. أما غالبية الشعب المصري فإنها لا تستطيع أن تصبح كتابا وصحفيين ومؤسسي جماعات نوعية، ولهذا فإن تلك الغالبية تبحث عن حل آخر – خارج أطراف المعادلة - لمشكلاتها الكبيرة الحقيقية المؤلمة.

 

أحمد الخميسي. كاتب مصري

 

Ahmad_alkhamisi@yahoo.com

 

 

لمن صوت الامريكان في الانتخابات العراقية؟

 

جمال محمد تقي

 

 

ليس من السهل الاجابة على السؤال خاصة اذا عرفنا ان التصويت الامريكي لن يكون خاضعا للعبة صناديق مفوضية الانتخابات ولا للاجراءات التي قامت بها هيئة المساءلة والعدالة ولا لتعقيدات العد والفرز المملة ولا للتجاذبات المارثونية والتي قد تستغرق اشهرا طويلة حتى يتم التوافق فيها على شكل الحكومة القادمة. يمكننا الاستعانة بمثال التصويت الامريكي في الانتخابات الافغانية كدليل وقرين لما يجري في العراق اخذين بنظر الاعتبار الفوارق بين الحالتين، لقد اجلوا انتخابات البرلمان الافغاني انتظارا لتسويات قادمة مع اطراف مهمة بدون توافقها لا يكون الانسحاب الامريكي من افغانستان موفقا وتم تبرير ذاك التأجيل بعدم توفر الاموال الازمة لتمويل العملية الانتخابية، اما الانتخابات الرئاسية فارادوها أن  بطريقة التنافس على تنفيذ الاجندة الاصلاحية التي بدونها لا يمكن تخفيض سقف الخسائر المادية والبشرية للقوات المشاركة في حرب افغانستان. وفعلا كان التنافس شديدا بين عبدالله عبد الله وحامد قرضاي وكل منهم قدم ما عنده وحاول ان يقنع الجميع بصلاحيته لاصلاح ما يمكن اصلاحه، اضافة الى اظهار جديته على تنفيذ الاستراتيجية الجديدة الداعية للمصالحة الوطنية وتحديدا مع طالبان والحزب الاسلامي والعمل على اشراكهم بالحكم وتصفية القضايا العالقة بما فيها مسألة العلاقة بالقاعدة، وكان الامريكان غير متشائمين من التجاذبات التي وصلت حد المقاطعة بين طرفي المنافسة الانتخابية على منصب الرئاسة في افغانستان، بل اعتبروها تجليا من تجليات التحول الديمقراطي الذي يسلط الاضواء على الصورة الجديدة لافغانستان المتحولة للديمقراطية بفضل الحرب الامريكية، التصويت الامريكي يتسع ليشمل الحالة كلها باتجاه ينسجم مع الهدف الاشمل، فالعملية السياسية افغانية كانت ام عراقية هي بيت للطاعة من خلاله فقط يمكن التأهل للعب الادوار اما خارجه فلن يكون هناك غير المتمردين، وهؤلاء خارج نطاق التغطية الامريكية التي لن تنجز مهمتها الا بانجاز صيغة ما لحسم موقفهم، اما مع او ضد، وللحالتين هناك توجه وسياسة وعمليات!المقاومة الافغانية ـ طالبان والحزب الاسلامي بقيادة حكمتيار ـ يرفضون الاعتراف بقرضاي ويرفضون بيت الطاعة الامريكي ويقاتلون من اجل فرض عملية سياسية معاكسة عنوانها الاساس هو طرد الوجود الاجنبي من البلاد، وما زال الصراع سجالا بين الطرفين. في العراق ايضا كل الائتلافات والكيانات الداخلة في بيت الطاعة الامريكي ـ العملية السياسية ـ  كلها من طينة قرضاي وبرلمانه مضافا لها حالة مميزة هي الصحوات ـ السنية وربما الشيعية لاحقا ـ وهنا تجري محاولة لتعميم تجربة الصحوات على افغانستان لاضعاف حواضن المقاومة فيها كما الحال في العراق والذي نجحوا فيه وبحدود ساهمت بمنحهم فرص اكبر للمناورة ومنها الانسحاب الثقيل والظاهر مع الابقاء على النفوذ والوصاية غير الظاهرة، المقاومة العراقية كيفت نفسها بسياسة معاكسة تستثمر بها الغياب المتدرج للتواجد الثقيل لجحافل المحتلين وسيرها باتجاه خلق صحوات معاكسة حتى في بيت الطاعة نفسه وهذا ما سنلحظ تداعياته الملموسة بعد الانسحاب الامريكي المعلن في ايلول القادم!ذات القوى والائتلافات وما فرخته من كتل جديدة ـ الائتلاف الشيعي والسني والكردي والليبرالي التابع واليساري الانتهازي + الصحوات ـ هي ذاتها بلحمها وشحمها من تتنافس على حصة الاسد في العملية برمتها اليوم، انهم انفسهم من جاء مع المحتل ومن اشترك بالانتخابات الاولى ومن كان واجهة للحكم منذ مجلسه الاول وحتى حكومة المالكي. فالائتلاف الوطني مكون من جماعة الحكيم والجلبي والفضيلة وبقايا التيار الصدري مع تطعيم باجنحة من الصحوات، وتحالف دولة القانون مكون من حزب الدعوة والمستقلين المطعمين بالصحوات. اما تحالف العراقية ـ علاوي والهاشمي والمطلك فهوخليط عابر للطائفية والقومية وفيه مسامات قابلة للتحول ولكنها اسيرة لذات التوجهات التي يفرضها بيت الطاعة الامريكي، والتحالف الكردي ـ البارزاني والطالباني والشيوعيين الاكراد ـ هو ذاته لكنه هذه المرة يدخل بعد ان فرخ تيارا منافسا له ـ قائمة التغيير ـ وهو ومع ايجابية كسر القاعدة لكنه ايضا ابن بار لبيت الطاعة الامريكي، الحزب الاسلامي العربي والاسلاميين الاكراد جميعا يتنافسون على توزيع الوظائف في البيت الكبير. وهنا لا غرابة بان يصوت الامريكان للجميع وكل بحسب دوره وثقله، حتى التنافس الايراني والارتباطات المباشرة لبعضهم باجندتها فان الامريكان لا يعتبرونها خطا احمرا ما دامت لا تهيض هذه الاطراف للخروج على بيت الطاعة. وهنا قد يقول قائل ان الانسحاب الامريكي وما سيرافقه من تغول ايراني داخل العراق قد يؤدي لخروج قوي على بيت الطاعة الامريكي فكيف يستقيم الامر؟نقول ان الامريكان قد اسسوا لبيت طاعة في العراق الخروج عليه سيؤدي حتما لتقسيمه وان حصل فانه يقرب هدفا امريكيا كان بعيدا وان لم يحصل فسيبقى وضع العراق بحاجة دائمة لضمانات امريكية تكفل استمراره على ما هو عليه، وبالتزامن مع النهج الامريكي لاحتواء ايران فان التمدد الايراني جنوب العراق في حالة انشطاره العملي الى ثلاثة كيانات سيكون وبالا على ايران ذاتها اي سيجعلها بتصادم مباشر مع العراقيين، وهذا ما لا يضر بالامريكان خاصة وانهم يكونوا قد سحبوا قطعاتهم الثقيلة التي تهدد ايران بالنيل منها في اي مواجهة محتملة، هذا الوضع سيوفر للامريكان قدرة اكبر على التحرك من بعيد وهي الحاضرة حتى لو ابتعدت باتجاه العراق وايران معا!الانتخابات العراقية مثل نظيرتها الافغانية تتميز بفقدان تأثيرها الفعلي على المواطن المصوت فيها. فحدود الانتخاب محصورة بطاعتها، وليس مهما لدى القائمين عليها ان تكون نسب المشاركة 20 بالمئة او 40 بالمئة، المهم ان تجري العملية وتحسب الاوراق بمعزل عن النسبة والتناسب ويمكن تعديل النسب امام الاعلام بعد الرجوع الى توافقات ذات القوى المتنافسة. ليس مهما فيها وجود احصاء سكاني يقدم البيانات الضرورية والمعتمدة والتي على اساسها تحسب اعداد الذين يحق لهم التصويت ومن ثم نسب الاصوات الازمة للمقعد الواحد وتحديد اعداد المقاعد وتوزع الميزانيات الانمائية وايضا الاحاطة بحركة التغير الديموغرافي واتجاهاته ـ النمو، الهجرة، الكثافة، الاحتياجات،الكفاءات النوعية في الداخل والخارج. ليس مهما لاصحاب الشأن في العملية السياسية الدائرة حول نفسها في العراق ان ينظم عمل الاحزاب والتي تعتبر مصانع لانتاج المرشحين قانونا على اساسه يمكن التفريق بين الاحزاب والمافيات ـ لا يرخص لحزب ما الا اذا استوفى الشروط  التنظيمية والبرنامجية والمالية المتوافقة مع دستور البلاد ـ  ليس مهما لديهم ان يغيب عن تشكيل مفوضية الانتخابات الاسس المهنية والمستقلة فعلا وتحت اشراف وطني ودولي حقيقي، غياب كل هذه المفقودات النوعية سيعطينا بالنتيجة حالة فوضوية فيها تجاوزات على ابسط المباديء الاولية في اي نظام يدعي الدستورية والبرلمانية ناهيك عن نظام يدعي الديمقراطية، ومن الطبيعي والمنطقي ان لا يتوفر قانون انتخابي نزيه حتى لو جرى تبنيه بالتوافق السياسي والبرلماني لان فاقد الشيء لا يعطيه، فالقوى المتوافقة طائفيا وعرقيا ومناطقيا تنسف باحقية تمثيلها للمكونات جوهر فكرة المواطنة التي يقوم عليها اي نظام ديمقراطي حقيقي، اي ان قانون الانتخابات هو تحصيل حاصل لكل المواد الاولية اعلاه ودونها لا يمكن ان يكون نزيها مهما كان محاطا بتوافقات الفرقاء، انه مجرد منظم توافقي لعملية مشبعة بالفساد والتزوير والحصص والغنائم!الامريكان ومنذ البداية كان لهم القول الفصل وهم من وضع اسس الحالة التي تمر بها البلاد، كان تدخلهم وما يزال حاسما وحتى النخاع في تواصل البناء على ما اقاموه وفي حالات التعطل والتنافر فانهم يجهدون للتسكينات والضغط باتجاه الهروب الى الامام، قانون ادارة الدولة المعد سلفا في واشنطن كان الاب الروحي للدستور الذي جرى فبركة الاستفتاء عليه وفي ظروف شاذة اراد الامريكان ان تكون دافعا لتمريره السريع، ومنذ ايام مجلس الحكم وهكذا دواليك حتى الان!لا مفاجئات دراماتيكية ستنتجها الانتخابات البرلمانية في العراق والتي ينتظر الاعلان النهائي عن نتائجها  التي ستعزز ما هو سائد ومن دون الخروج على اصول اللعبة ذاتها  فالتوقعات الفعلية لطبيعة التشكيل البرلماني والحكومي القادمين  تشير الى تقدم المالكي وعلاوي وانحسار تحالف الحكيم وجبهة الوفاق وحصول قائمة التغيير الكردية على حصة من نصيب التحالف الكردستاني. وهذا يعني ايضا عدم قدرة اي طرف لوحده من تشكيل حكومة لوحده اي ستتكرر دورة التوافق السابقة ضمن سلسلة متوالية تفرضها الاسس التي قامت عليها العملية السياسية ذاتها، التغييرات استبدالية لذات الوجوه او ظلها، ويشاع بان المالكي يستعد لتقديم مرشح بديل عنه ويمثله في ان واحد هذا اذا تعسر ترشيح نفسه لرئاسة الوزارة ثانية، السيد جعفر محمد باقر الصدر، نجل باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة ليستطيع من خلاله ابتزاز الائتلاف الوطني الذي يقوده الحكيم وكذلك التيار الصدري، وبذلك سيكون بمقدور قائمة دولة القانون تشكيل حكومة بدعم من الائتلاف الوطني وبعض الكتل الصغيرة ومن دون الحاجة الى مشاركة الاكراد او علاوي، هذا على الرغم من امكانيات التوافق مع الاكراد ومن دون حتمية اشراكهم في المناصب الحكومية!من كل الذي تقدم نستطيع القول بان الامريكان قد صوتوا فعلا لصالح استمرار ما صنعوه ويصنعوه للعراق ومستقبله!

 

 

يسار شيوعي أم يسار وطني

 

كاظم محمد

 

 

الماضي البعيد والقريب، يؤكد وبكل حراكه السياسي والاجتماعي على وجود حركة شيوعية عراقية عريقة بتأريخها النضالي وبحضورها الوطني، وبتميزها في خلق وترسيخ  تقاليد كفاحية تربت عليها فئات شعبية واسعة، لا زالت اجيال  منها تحتضن في ذاكرتها وفي حسها هذه التقاليد،  وتتمثل في سلوكها القيم الفكرية والاجتماعية التي تدفعها بأستمرار لملامسة قضايا الوطن ومحنته، وتجعلها منحازة وبكل وضوح لهموم المواطن وتطلعاته، وخاصة في هذا الظرف التاريخي الذي لم يشهده الوطن العراقي في تاريخه القديم والحديث.هذه الاجيال نفسها تشهد اليوم حالة حركتها الشيوعية في الانحسار والتشتت، وقسم كبير منها يقف حائرآ عاطفيا وفكريا وسياسيا بين خطابين، خطاب قيادة الحزب الشيوعي العراقي الحالية، وخطاب واقع الحالة الوطنية والاجتماعية والسياسية التي يشهدها العراق بعد الغزو والاحتلال، والذي ينقض التوجهات الفكرية واالسياسية لدعاة االشيوعية وحاملي رايات حزبها والمتاجرين بتأريخها وبدماء شهدائها.ومما كرس ويكرس هذه الحيرة  والحيادية عند البعض، واليأس والتشاؤم والانسحاب عند البعض الاخر، هو حجم التعقيد الهائل الذي شهده ويشهده الوضع الميداني والسياسي في العراق، خاصة خلال الحصار وعملية التحضيرلغزو العراق وما تلاها من احداث معروفة، حيث  وقف الكثير من الشيوعيين  العراقيين عاجزين امام امتحان فكري وسياسي يتعلق باساسيات المنهج الماركسي في مسألة الموقف الوطني من الغزو والاحتلال.

 

الحالة الوطنية

 

فمنذ احتلال العراق عام 2003، دخلت البلاد في حالة  شديدة القسوة، توجت اكثر من ثلاثة عشر عاما من الحصار والحرب المتواصلة، التي اثرت تاثيرا عميقا في المجتمع العراقي، وغيبته عن الحياة الطبيعية باتجاهاتها الثقافية والمعيشية، وجعلت المواطن يلهث وراء تأمين لقمة عيشه ومتطلبات الحياة اليومية، ودفع الشعب العراقي ضريبة الدم بمئات الالاف من اطفاله ورجاله ونسائه، واصبحت قصص الماسي الاجتماعية هي السائدة، وحكايات القتل اليومي والتهجير وافراغ مؤسسات الدولة المهشمة من خبراتها وكوادرها، هي الفعل السائد مع محاصرة الوطنيين وارهابهم واغتيالهم، لتكريس السياسات الجديدة (لمحرري) العراق اجتماعيا وثقافيا، وضرب أية امكانية نهوض وطني حقيقي يتجاوز احزاب الاحتلال واجندتها.حيث كان الاحتلال واحزابه من العراقيين وما زالوا، يريدون انتاج وصياغة حالة (دولة) منبثقة  من تطبيقهم النموذج الامثل لفوضتهم الخلاقة عند غزوهم للعراق، في تحطيم الدولة العراقية وتفكيك جغرافية ارضه، وتصديع مجتمعه وكسر اواصر وحدته الوطنية، وتعريض كل التراث الانساني والثقافي وذاكرة تاريخه التي تمتد لألاف السنين الى النهب والسرقة الرخيصة، وبنفس الوقت تطبيق مخطط ذي اهداف محددة،  باطلاق ايادي ميليشات احزابهم ودوائر مخابراتهم وشركاتهم الامنية في اشاعة ثقافة القتل والاجرام والفساد، وتشريد الملايين الى الخارج واجبار ملايين اخرى على تموضع مناطقي جديد، مع هندسة مخابراتية لإرهاب منظم يطالُ ارواح المواطنين وعقولهم ويخلط الحابل بالنابل عبر شيطنة المقاومة الوطنية العراقية والقوى المناهضة للاحتلال والرافضة لنتائجه وافرازاته، إذ  سُخرت لهذا الغرض إمكانيات هائلة وماكينة اعلامية ضخمة، عراقية وعربية وعالمية، واستخدمت فيها الاماكن الدينية لتكريس خطاب سياسي  استعار من قاموس المذهبية والطائفية اسوأ عبارات الكراهية والاستعداء ومن قاموس السياسة أتعس مصطلحات التضليل والاستغباء، مترافقآ بحملة دعائية واقلام صفراء واصوات نابحة، مهمتها التضليل والتأليب وشحن النفوس، ومقرونة بسياساتٍ يومية لحكومة الاحتلال في ايصال عقل المواطن الى حالة من الاستلاب والشلل والتسليم بما هو قادم.أن الأفخاخ التي نصبت لشعبنا ووطننا، قد اوقعت الكثيرين في مصائدها وشباكها، والتي كان هدفها ولا زال ترويض الناس وتهيئتهم لهذا القادم من المخططات التي تبغي تكريس التحاصص وصولاً الى التقسيم  والقضاء على أي من مقومات التنظيم الشعبي الوطني المناهض للأحتلال  وحكومته وعمليته السياسية، خاصة بعد ان انقشع الضباب عن ديمقراطية الغزو والاحتلال، وانكشف زيف هامش الحرية بتدجين الحياة السياسية ومسخها، لتتحول الكثير من الدكاكين الحزبية التي فتحت والصحف التي اصدرت إلى أُطر تزويقية تعتاش على ما تمنحه لها ادارة الاحتلال واحزابه الطائفية والانفصالية من الاموال المسروقة من شعبنا، خدمةً لأهداف الاحتلال ومتطلبات مشروعه، ولأضعاف قدرة شعبنا بطبقاته وفئاته المختلفة، لسلاحها في التنظيم والمواجهة.ان ولادة حركة وطنية جديدة كان ضرورة حتمية لمخاض طبيعة الظرف التاريخي وتعقيداته، وان نضوجها  وتبلورها مرتبط  بنضوج عناصر هذه الحركة من التيارات الاجتماعية والوطنية، وما اليسار الجديد إلا احد اشكالها، رغم ان ولادته  بأطر وبحركة سياسية ليس بديهيا، ومن الصعوبة ان يتخذ شكلا او اطارا إلا من خلال تكامل بعض العوامل ومؤثراتها في ولادة هذه الحركة اليسارية او تلك، فالمحرك الاساسي لهذه الولادة بأشكالها المتعددة سياسياً وبعفويتها احيانا، هي المتغيرات وطبيعتها ودرجة مساسها لحياة الناس، درجة مساسها للاكثرية الشعبية ونوعية المخاطر التي تستشعرها في تهديد وتقويض طموحاتها ورغبتها في الحياة الامنة الكريمة، وفي تهديد  وجودها الوطني وانتزاع عناصر استمرارية هذا الوجود، في ظل اشكال  جديدة من الصراع  بين الوطني بحدوده الجغرافية وبين الوحش الامبريالي القادم بعسكره وقيمه وثقافته وشركاته العملاقة، بين الوطني الذي يرفض التدخل والوصاية بإشاعة ( الديمقراطية) وتعليم الشعوب الف باء الحياة السياسية، ووقف ضد  استبدال الاستبداد الداخلي  بالغزو  والاحتلال، وبين اليمين العولمي المحافظ واتباعه من الطائفيين والعنصريين والعشائريين ومن اصطف معهم من دعاة الشيوعية والليبراليين الجدد، في تحالف استهدف تكبيل الحركة الاجتماعية وضرب الخيار الشعبي قبل نضوجه، لصياغة حالة تلبي  المصالح الامبريالية الانانية والرجعية للمحتل والتابعين له.ان الوضع الوطني، وطبيعة المتغيرات في الساحة الاجتماعية والسياسية، والخيبة واليأس الذي اصاب شرائح وفئات شعبية واسعة مما كان يسمى بالمعارضة العراقية، فرضت وتفرض على الوطنيين العراقيين وخاصة الشيوعيين منهم، الذين نأوا بنفسهم عن نهج القيادة (الشيوعية) الخادم لأجندة الاحتلال والاحزاب الطائفية والعشائرية، النظر برؤية جديدة ومختلفة عن ما ساد الساحة السياسية وعناصرها في العقود الاخيرة، وتشذيب هذه الرؤية من تأثيرات المراكز الاممية وترسباتها، ومن تعقيدات حالة الاحتراب السياسي الوطني وافرازاتها، وما تركته في العقول والنفوس، مما يعيق الحاجة الفكرية والسياسية للرؤية الجديدة  والمختلفة في تناول الوضع الوطني وتأثير المتغيرات على آليات حراكه الاجتماعي والسياسي.ان التخلي عن التصنيفات الموروثة لعقليات قيادية تمت ادانة سلوكها ونهجها، اصبح مهمة اساسية لأستيعاب نوعية المتغيرات الحاصلة، وتأثيرها على مزاج ونفسية الشرائح الاجتماعية، التي ليست  لم تُعد  تميل الى الخطاب السياسي  الحزبي التقليدي فحسب، بل فقدت جمهرة  واسعة منها ثقتها بجدوى العمل المنظم، واهتزت عندها القيم الوطنية والاجتماعية، وطغت عليها ثقافة الأفساد المتعمد من الاحتلال واحزابه، وتنتشر بين اوساط شعبية منها روح النفعية والانانية، أضافة إلى اشاعة جو التدين المزيف من خلال شعائر ومناسبات يتم تسخيرها لصالح اجندة الطائفيين ومراميهم السياسية.نحن امام متغير عراقي مرتبط اشد الارتباط بالمتغير الدولي والاقليمي الذي  فرضته رأسمالية الغرب المتصهين،  وخاصة الولايات المتحدة الامريكية، رغم فشلها في مفاصل حيوية منه، إلا انها حققت نجاحا نسبياً في العراق، أعتمد ولا يزال على ضعف التنظيم الشعبي الوطني المقاوم والمناهض والعابر لخطوط الوهم الطائفية والعرقية  التي خلقها الاحتلال واحزابه. وإذ يرتبط هذا الضعف بحجم التدمير وقساوة الضربات العسكرية التي تتعرض لها الحواضن الشعبية، وعمليات القتل والارهاب والاعتقال ضد الوطنيين من ابناء شعبنا، فأنه من الجهة الاخرى يرتبط  بطبيعة القيادات والمجاميع والفصائل والشخصيات الوطنية المناهضة للاحتلال وحكوماته، وبمختلف توجهاتها، والتي لا زال بعضها قاصرآ  عن  إدراك الاهمية الحاسمة لقيام جبهة  الشعب الوطنية في  قيادة الكفاح التحرري لشعبنا، ويساهم عبر سياسات ومواقف انانية  في عرقلة وتأخيرقيام التحالف الوطني الواسع.وهنا إذ يتحمل اليسار  الشيوعي  الوطني قسطه في هذا القصور، فأن عددآ ليس بالقليل من مجاميعه وعناصره، لا زالت في حالة من التمترس الفكري والسياسي الممزوج بعنعات وبصمات شخصية، لا تخرج عن دائرة ترسبات النمطية المدرسية للاطر الحزبية المريضة، والتي أضعفت البصيرة الفكرية في النقد والتحليل والتقييم، وبالتالي محاولة الاجابة على السؤال التقليدي، ما العمل؟، ازاء الظرف التاريخي المحرج الذي يمر به الشعب العراقي.إن حاجات شعبنا وقضيته الوطنية، تستدعي وبقوة من الشيوعيين الوطنيين تجاوز الامتحان الفكري والسياسي لمتغيرات حادة، فرضت وقائع واصطفافات، لا يمكن إلا أخذها بنظر الاعتبار، وفق قراءة  جديدة تستند إلى بصيرة نقدية وتقييمية، تستهدف متغيرات الواقع السياسي المفروض ما بعد الاحتلال، وتأثيراته العميقة والخطرة على الحالة الاقتصادية للفئات الشعبية الواسعة وطبيعة مواقعها ومواقفها الاجتماعية ودورها في الاصطفافات الجارية، خاصة  بعد ان فقدت ومنذ  سنين طويلة ادواتها السياسية المنظمة بانتقال قيادة (الحزب الشيوعي العراقي) الى الضفة الاخرى  بتحالفها مع النقيض الطبقي والوطني، وفقدانها لصفة اليسار، لتصطف إلى جانب اليمين الرجعي الاجتماعي بسياساتها المتخادمة مع الاحتلال.أن واقع المجاميع الشيوعية العراقية الحالي، وارتباطآ بنوعية الظرف التاريخي ومتغيراته، وطبيعة التعقيد الذي رافق بروزها، هي غير مهيئة  لبناء يسار شيوعي، على اساس وحدة العمل والتنظيم،  رغم إدعاء بعضها ذلك، مع عدم قدرة البعض  الاخر على هضم متغيرات الواقع الاجتماعي وتعقيداته في الأصرار على خطاب سياسي وفكري ونظري لا يلامس أرض هذا الواقع، ويضع نفسه في موضع التميز الأرادوي، الذي يٌرضي نفوس اصحابه.الحاجة الوطنية وارتباطاً بظرفها التاريخي، تتطلب من الشيوعيين الوطنيين الاقتراب أكثر من عناصراليسارالاجتماعي الرافض للاحتلال وافرازاته، والأنخراط الجدي في السعي لقيام أطار يساري وطني يضم عناصر اليسار الاجتماعي  بمختلف مشاربه.  فليس  ان الفكر الثوري لا يمكن أعتباره حكراً على  الفكر الشيوعي  فحسب، وإنما ليس من الصحيح أيضآ وصف اليسار بمدى التصاقه واعلانه التمسك بالمنهج الفلسفي والاقتصادي للماركسية، والامثلة التاريخية كثيرة لطلائع اليسار الاجتماعي الذين قادوا كفاح مجتمعاتهم الوطنية في التحرر والبناء، وفي صياغة التحول المتجذر لصالح الطبقات الشعبية ومستقبلها.أن إنعاش اليسار الشيوعي الوطني  وتشذيب خصائله، وتجاوزه لحالة الجزر، وخلق الظروف المؤاتية لحالة التحول المتجذر في أعادة  بناء الاداة الطبفية، يرتبط  بقدرة شخوصه ومجاميعه،  الفكرية والعملية على المساهمة المؤثرة في إصطفاف اليسار الوطني المنظم والمؤطر، كقوة وطنية واسعة، ومن مختلف التيارات الاجتماعية، والذي سيدفع بأتجاه إنضاج  وبروز حركة وطنية واضحة المعالم، تبني في سياق كفاحها اليومي جبهة الشعب المتحدة من أجل التحرير والبناء.لذلك فأن دعوات بناء يسار شيوعي، لا  تجد صداها السياسي الضروري، وتظلُ مبتسرة في سياق المتغيرات والأصطفافات الاجتماعية الوطنية، وفي  ظل تبعات انهيار حصون الشيوعية، والردة التي اصابت قيادات واحزاب شيوعية عريقة، في الفكر والممارسة، وتحولها الى جانب  اليمين العولمي، وفي ظل امبريالية راس المال الفاشي، الذي كرس بنهجه المعروف في الهيمنة والاحتلال استقطابات واضحة، لا تدع إلا خيار بناء اليسارالاجتماعي والسياسي الواسع لمواجهته.لقد لفظت فئات شعبية وقطاعات عريضة من النخب المثقفة (يسارها) السابق، بقيادته  ونهجه، لكنها لم تلفظ وطنيتها وقيمها الفكرية، ولا زال العديد من طلائعها يسعون في داخل العراق  وخارجه  للملمة وبناء حركة يسار وطني تستند إلى أوسع تمثيل اجتماعي، له المصلحة الحقيقية في هذا المنعطف التاريخي من الكفاح الوطني والطبقي. والذي من  خلاله تُمتحن  حنكة الطلائع السياسية، اشخاصا وجماعات في ترشيد الكفاح اليومي والتحرك المتواضع في صياغة الشعارات والبرامج التي تكتل حولها حاملي رايات النضال الوطني والمطلبي.من الطبيعي ان تجد بعض فصائل (اليسارالشيوعي العربي)  نفسها في حالة من ضعف التأثير والجزر الجماهيري، خاصة بعد ان تلبرنت، وتبنت قياداتها فكر ونهج المحافظين الجدد، راس حربة الامبريالية العالمية، وانسلخت عن منبعها الوطني واصطفت الى جانب مافيات السياسة والطفيليين  وخدم الشركات الراسمالية العملاقة، وتنكرت لمبادئها وارتدت عن اهدافها، لتجد نفسها اليوم تابعاً ذليلاً او متخادماً رخيصاً، تقف الى يمين الحركة الاجتماعية، يصعب عليها التخلي عن الامتيازات الوظيفية والرواتب الضخمة والمقاولات الثقافية والمالية.ان واقع اليسارالعربي لا ينفصل عن قراءة واقع الحركات الوطنية ومكوناتها، التي  تعرضت لتخريب مقصود والى  ارهاب وقمع، استهدف استبدال هوياتها الوطنية بهويات طائفية ومناطقية وعرقية، والذي إرتبط بأجندة المشروع الاستعماري الجديد بتغيير عناوين الصراع في منطقتنا خدمة لأهدافه في بناء نظام أقليمي خاضع وتابع للمصالح الاستراتيجية لراس المال الغربي وممهدا الطريق لتأمين الحزام الامني، الذي لا تعرف حدوده لدولة الكيان الصهيوني وطموحاتها التوسعية.ان إنعاش اليسارالعربي، يستدعي قوى  فكرية وسياسية جديدة قادرة على استيعاب طبيعة جدل العلاقة التصادمي بين مجتمعاتها الوطنية  ونظام الإعاقة الخارجي، بين تداعيات العولمة الامبريالية والمتغيرات الاجتماعية، بين نظام  الاستبداد الداخلي وموضوعية علاقته بنهج وتوجهات اقطاب العالم الراسمالي. ان هذه القوى مدعوة لتوسيع افق نظرتها الاجتماعية وتعميقها سياسيا، عبر رعاية  نهج فكري وعملي، يتخلى عن الحساسية المفرطة تجاه  الخطاب القومي والديني، وقادر على التعامل مع اليسار القومي والليبرالي الوطني واليسار الاسلامي الديمقراطي المتجذر ومع اليساريين المستقلين، لبناء يسار وطني،  فعال في مشاركته الوطنية والطبقية، يشتق برنامجه  من اصول تعقيدات وضعه الوطني ومتطلباته الاجتماعية والسياسية.

 

10 آذار (مارس) 2010

 

عمل خيري أم تجسس مخابراتي؟ الطاهر المعز.

 

الجامعة العربية ولجنة متابعتها...فتوى بغير حق وبما ليس من حقها! عبد اللطيف مهنا

 

 

"الطيب والجلف والصعلوك"

 

الطاهر المعز

 

 

تقديم

 

أثناء التدمير الذي تعرض له قطاع غزة، نهاية 2008 وبداية 2009، قال وزير خارجية فرنسا، "برنار كوشنير"  ما مفاده : للحكومة الفرنسية عيون وآذان في غزة، تزودها بالأخبار والمعطيات الكافية، رغم الحصار (الذي تشارك فرنسا في تشديده)، وعدم دخول الدبلوماسيين للقطاع المحتل، وأثنى على المنظمات غير الحكومية، الخيرية منها والإنسانية والطبية التي كانت (ولا زالت) مصدرا هاما للأخبار والمعطيات، فهي عبارة عن قاعدة بيانات ضافية... احتجت منظمة طبية فرنسية على تصريح الوزير واعتبرته غير مسؤول "لأنه ينسف مصداقيتها التي اجتهدت لاكتسابها عند الأهالي، ويعرض حياة العاملين في هذه المنظمات للخطر...". منطقيا، لا يمكن لأي منظمة إنسانية أو غير حكومية أن تتواجد في أي مكان من العالم (خصوصا في مناطق الحرب والهزات)، دون اتصال دائم بالسفارات، ودون غطاء حكومي، يتدخل عند الضرورة، ويسهل خروج العاملين بها إذا أحسوا بالخطر الخ.  في المقابل، لا بد من تقديم خدمات وإرشادات عن طبيعة العمل وفئات السكان "المستفيدة" منه، إضافة إلى تقرير مفصل لكل ممول، على حدة حسب شروطه...برنار كوشنير يعرف عما يتحدث، لأنه أحد مؤسسي منظمة "أطباء بلا حدود" (عام 1971)، وقد كون مجموعة عرفت آنذاك باسم "فرانش دكتورز". تكونت من أطباء كانوا أجراء في منظمة الصليب الأحمر الدولي، أثناء الحرب الإنفصالية التي قامت في نيجيريا من عام 1967إلى 1970، لكن عدم اتخاذها موقفا علنيا مناهضا للحكومة المركزية، لم يعجبهم، فكونوا مجموعة "مستقلة".قاد انفصاليو "بيافرا" الجنرال "أوجوكيو" الذي تزعم جيشا من المرتزقة، بهدف انفصال إلإقليم (في الجنوب، حيث حقول النفط) عن نيجيريا التي كان يرأسها الجنرال "يعقوب غوون"... استعمل الإنفصاليون الدين المسيحي كذريعة، والقبلية (الأثنية) لتاليب المواطنين ضد الحكومة المركزية، وحظوا بمساندة الفاتيكان والكيان الصهيوني والبرتغال الإستعمارية، وجنوب افريقيا العنصرية... كانت شركة "إيلف" الفرنسية تستغل نفط الإقليم، ومولت الإنفصاليين، كما احتضنت مجموعة الأطباء، التي أسست "أطباء بلا حدود" فيما بعد، بحجة "معالجة الجرحى من الجانبين، بحيادية تامة، لأن مهمة الطبيب الأولى هي إنقاذ حياة البشر مهما كانت الأسباب..." كما أعلنت آنذاك، وتحت هذا الغطاء الإنساني تمكنت المجموعة من التنقل واستقصاء الأخبار ومعاينة الوضع على الجانبين، وبذلك لعبت دور الجاسوس الذي لا يطاله التشكيك، خاصة وأنها غلفت لغتها بغلاف إنساني/يساري. "برنار كوشنير" هذا، كثير التعلق بالألقاب والمناصب، واشتهر بعلاقاته الحميمة بالصهاينة والمحافظين الجدد وبمواقفه المساندة للحلف الأطلسي ولاحتلال العراق وتفكيك يوغسلافيا...يبدو أنه كان دائما كذلك، غير أنه عرف كيف يغلف أفكاره وممارساته اليمينية بغلاف يساري/إنساني... ظهرت المنظمات "غير الحكومية" بعد ذلك بقوة في جنوب افريقيا، أثناء انتفاضة مدينة القصدير "سويتو"، إثر اغتيال المناضل الشاب "ستيف بيكو"، عام 1976، لكن"المؤتمر الوطني الافريقي" عالج الأمر قبل استفحاله، واشترط الإشراف على عمل هذه المنظمات، وخضوعها لرقابته، وإدارتها من قبل مناضليه ومؤسساته... في بداية عقد الثمانينات من القرن العشرين، كان "برنار كوشنير" من مؤسسي منظمة "أطباء العالم" التي انفصلت عن "أطباء بلا حدود"، وتواجدت المنظمة الجديدة في أفغانستان وافريقيا وأمريكا الوسطى والجنوبية، وفي أوروبا الشرقية، وفي كل مكان فيه حروب، وفتحت عيادات لمعالجة الفقراء في داخل فرنسا أيضا. وهي بطبيعة الحال متواجدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 (خاصة بعد أوسلو) وفي العراق المحتل وفي لبنان وفي السودان المهدد بالإحتلال والتفتيت... وكل مكان محتل أو تدور فيه حرب بالوكالة أو فرض عليه حصار أمريكي/أوروبي الخ...

 

عمل إنساني أم نجسس؟

 

قبل انهيار الإتحاد السوفياتي، وفي أوج الهجوم الإيديولوجي على الشيوعية والإشتراكية (كفكر وكبديل للرأسمالية)، كان التغلغل الأمريكي في أفغانستان، عن طريق "المجاهدين" على اختلاف مشاربهم (بن لادن ومسعود شاة وحكمتيار والجنرال دستم ...)، وكان حضور المنظمات "غير الحكومية" (والكنسية) قويا في روسيا نفسها لمساندة "المنشقين" (ومنهم تشارانسكي الذي أصبح فيما بعد وزيرا في حكومة الكيان الصهيوني)، وفي بولندا، لمساندة شق "ليش فاليزا" في نقابة "سوليدارنوشك" (تضامن)، وهو الشق الرجعي واللبرالي داخلها، إلى أن نصبوه رئيسا ومنحوه جائزة نوبل للسلام... بعد انهيار الإتحاد السوفياتي، تكاثرت المنظمات "الإنسانية"، الأمريكية على وجه الخصوص، في بلدان أوروبا الشرقية، ونشطت كثيرا في يوغسلافيا التي مزقها الحلف الأطلسي (حيث بدأ الحديث عن عسكرة العمل الإنساني)، كما في بلدان البلطيق وأوكرانيا وجورجيا، ونظموا الثورات المضادة، التي أعطوها من الألوان الأزرق والبرتقالي... يقول بعض الأمريكيين الذين شاركوا في تنظيم هذه الثورات المضادة أنهم عملوا لمدة لا تقل عن السنتين في المناطق الفقيرة، وضواحي المدن الكبرى والعواصم، تحت غطاء إنساني، وبثوا المذهب البروتستانتي الإنجيلي، في مناطق لا يتواجد بها إلا الأرثودوكس (لكنهم فقراء)، وفتحوا مراكز للعلاج والتدريس وتوزيع الغذاء والملابس الأمريكية المستعملة الخ، حتى اشتد ساعدهم، ونالوا ثقة المواطنين ( اطعم الفم، تستحي العين)... في أوكرانيا كانت لديهم ميزانية ب65 ألف دولار مخصصة لنقل المواطنين، ليتظاهروا ضد الحكومة التي اعتبرتها أمريكا موالية لروسيا، ولا تخدم مصالحها... فخلقوا بذلك عادات سيئة لدى المواطنين، الذين صرح بعضهم، للصحفيين الأجانب، بمناسبة انتخابات منتصف فبراير 2010، بأنهم لن يحضروا الإجتماعات الإنتخابية ولن يصوتوا إلا لمن يعطيهم "أجرتهم"، ولا يعنيهم لون الفائز ولا برنامجه...حاولت أمريكا وبريطانيا القيام بنفس الشيء في إيران مؤخرا، لكنها فشلت، ربما مؤقتا، في إزاحة الجناح الذي يساند الرئيس الحالي، كما فشلت في كوبا، وفي فنزويلا وبوليفيا، رغم محاولاتها العديدة. في البلدان المحتلة مثل العراق، تسربت من حين لآخر أخبار عن هوية بعض الرهائن، أو القتلى، إذ تمت تصفية ضباط مخابرات من أسبانيا (قبل انسحاب جيشها) ومن إيطاليا، واحتجز عدد من المتواجدين تحت غطاء العمل الصحفي أو العمل الإنساني، وكانت بعض المؤشرات تدل على قيامهم بمهام أخرى غير معلنة... في أفغانستان، تمت تصفية أمريكيين أو أوروبيين أو كنديين...قدمتهم وسائل الإعلام كمدنيين، يعملون في مجالات لا علاقة لها بالجيش، وظهر فيما بعد أنهم ضباط مخابرات من "سي آي إي" مثلا... في العراق، كان الصحافيون ملازمين لدبابات الجيش الأمريكي، ويرون الحرب من منظارهم، ولم يضمن الجيش الأمريكي سلامة من لم يرافق جنوده من الصحافيين، وقام بتصفية صحافيين عرب وغير عرب... وقع احتجاز صحفيين فرنسيين، في وقت طلبت فيه الحكومة الفرنسية منهم الخروج من العراق، وأعلنت وسائل الإعلام التي يعملون بها أنها لم تكلفهم بمهمة تغطية ما يجري هناك، ومع ذلك فإن التضامن المعلن معهم يتعدى الدفاع عن زملاء المهنة، بل بلغ درجة التجنيد القصوى المشابهة لحالات الطوارئ...من بين المحتجزين الفرنسيين، كانت صحفية اسمها "فلورانس أوبناس"، تعمل بصحيفة "ليبيراسيون" اليومية الفرنسية، التي أسسها "جون بول سارتر"، مع مجموعة من "يساريين" سابقين (وكانت محسوبة على  "اليسارالإجتماعي" قبل أكثر من ثلاثة عقود)، ولم توفدها صحيفتها، بل كانت متواجدة في العراق، لأسباب أخرى، لم يعلن عنها أبدا... تم اختطافها في نواحي بغداد، ومن يوم احتجازها إلى يوم خروجها من العراق، كانت كل نشرات الأخبار، في كل وسائل الإعلام الفرنسية تفتتح بخبر أحتجازها وعدد الأيام التي قضتها رهينة، وكذا فعلت الصحف المكتوبة ومواقع الإنترنت، وأصبح الدفاع عنها عامل "وحدة قومية"... كانت هذه الصحفية تملك شبكة علاقات واسعة جدا، وقامت بتحقيقات صحفية ذات نوعية جيدة، كما اهتمت بوضعية المهاجرين وأبنائهم، والكادحين،  والمهمشين والفقراء والفئات المستغلة (بفتح الغين) والمضطهدة والمقموعة، في فرنسا... تضامن معها أثناء احتجازها كثير من الصحفيين والمثقفين العرب، خاصة في المغرب العربي، وقاموا بحملة، ما قاموا بمثلها تنديدا باغتيال زملائهم في العراق أو احتجاز زميلهم (سامي الحاج) في غوانتنامو، أو سجن زميل آخر في أسبانيا، ولا احتجاجا على سجن زملاء عديدين لهم في الوطن العربي الخ...كانت الحملة التي قامت بها الحكومة الفرنسية والصحافيون ومالكوا الصحف ومجلس النواب والبلديات والأحزاب (يمينها ويسارها) كثيفة جدا ومستمرة... بعد إطلاق سراحها وخروجها من العراق، واستجوابها من قبل المخابرات، كالمعتاد، لم تصرح بأي شيء، ولم تعط أي سبب لتواجدها في العراق المحتل، وهي التي لم يعرف عنها اهتمامها بما يجري في هذه المنطقة من العالم، ظاهريا على الأقل، إذ لم تتناول مقالاتها الصحفية العراق أو فلسطين أو لبنان...بعد غياب طويل، وإثر العدوان الأخير على غزة، ودم شهدائها لم يجف بعد، وفي فترة تكاثرت فيها الدعوات لمقاطعة الكيان الصهيوني، ظهرت السيدة "فلورانس أوبناس" على صفحات الجرائد، تتوسط أحد القادة الصهاينة في فرنسا، ووالد الجندي الصهيوني جلعاد شاليط الذي احتجزته المقاومة، عندما كان يقوم بمهمة عسكرية عدوانية في غزة، وأعلنت عن تأسيس لجنة مساندة له، تناضل من أجل إطلاق سراحه و"تحريره"، تترأسها السيدة "فلورانس أوبناس" بنفسها (وهي التي دافع عنها عرب كثر)، باعتبارها رهينة سابقة... أما اللاجئون والاسرى الفلسطينيون (أكثر من 11 ألف) والخاضعون للإحتلال، فهم من طينة "الأجلاف" العرب الذين احتجزوها، واحتجزوا الجندي الصهيوني، وهما من طينة الأوروبيين "الطيبين"، الذي احتلوا بلادنا وأرضنا، لأن "من واجب الأمم المتحضرة أن تنشر الحضارة والتقدم لدى المجموعات المتخلفة"، كما قال رئيس المجلس الفرنسي، "جول فيري" عام 1881، لتبرير احتلال تونس، وكما قال القائد المؤسس للصهيونية، "ثيودور هرتزل" أن تأسيس دولة اليهود في المشرق العربي هو بمثابة بناء جدار حضاري، غربي،  يعزل الهمج العرب (الأجلاف) عن أوروبا المتحضرة...هل كانت السيدة "فلورانس أوبناس" صهيونية من زمان، أم تم تجنيدها حديثا؟ على أي حال، لقد اختارت الوقت الذي تكاثر فيه نقد "دولة اليهود"، لتعلن عن مساندتها لها...قبل حوالي 3 سنوات، في التشاد، استغلت "منظمة خيرية" فرنسية (غير معروفة آنذاك) الحملة الإعلامية الأمريكية/الفرنسية ضد حكومة السودان، والتهديدات بالتدخل العسكري، خصوصا في إقليم "دارفور" الغني بالنفط والمعادن، على الحدود التشادية السودانية، لتختطف أكثر من مائة طفل تشادي، بدعوى أنهم أيتام سودانيون، تم اغتيال أولياء أمورهم من قبل "القبائل العربية" المتهمجة (الأجلاف) في دارفور، من الجهة السودانية... وفي الحقيقة فإن هذه "المنظمة الإنسانية، غير الحكومية" كانت تلقت أموالا كثيرة من قبل أناس محرومين من الإنجاب، لتبني هؤلاء الأطفال "المساكين، الأيتام"، كما حظيت بتغطية، ومباركة وزارة الخارجية الفرنسية (برنار كوشنير) والجيش الفرنسي المتواجد في التشاد، والمخابرات الفرنسية...أي أن العملية هي عملية استعلامات، لا علاقة لها بالعواطف النبيلة إزاء الأطفال "اليتامى"، لكنها قدمت للرأي العام على أساس أنها عملية إنسانية، لإنقاذ ضحايا النظام السوداني الهمجي، المهدد بمجلس الأمن وبمحكمة الجنايات الدولية وبانفصال في الجنوب والشمال والغرب، وب"معارضين" اتخذوا من الصهاينة اصدقاء وحلفاء لهم، وفتحوا لهم مكتبا في تل أبيب الخ... كانت العملية إذأ جزءا من السياسة الخارجية الفرنسية الرسمية، وتمت تعبئة الراي العام ووسائل الإعلام للدفاع عن هذا النوع من العمليات المخابراتية، شرط تلافي بعض "الأخطاء"، حتى تظهر كعمليات إنسانية، هدفها إنقاذ الأبرياء من ضحايا العرب الهمج...وتدخلت الدولة الفرنسية بمؤسساتها، ورئيسها ووزير خارجيتها، فضغطت على قضاة التشاد وعلى رئيس دولتهم، لإطلاق سراح من ألقي عليهم  القبض، وإعادتهم إلى فرنسا، على متن طائرة خاصة... استعملت فرنسا أيضا "المنظمات غير الحكومية" واستعانت بالصهاينة (مدربي جيش كولومبيا)، لإطلاق سراح "إنغريد بيتنكور" (وريثة الشركة المعولمة "لوريال")، التي كان يحتجزها ثوار كولومبيا...

 

وشهد شاهد من أهلها

 

في الثالث والعشرين من نوفمبر 2009، تم اختطاف رجل فرنسي يدعى "بيير كامات"، في منزل بمدينة "تيدارميني"،  شمال شرق مالي، وهي مدينة متوأمة مع المدينة التي ينحدر منها هذا الفرنسي. بعد بضعة أيام تبنت "القاعدة بالمغرب الإسلامي" عملية الإختطاف وطالبت بإطلاق سراح 4 من أعضائها، مسجونين في مالي. قدمت وسائل الإعلام الفرنسية السيد "بيير كامات"، الذي يتردد كثيرا على مالي منذ 1995، بصفته رئيسا للجنة توأمة بين مدينة "جيراردمير" الفرنسية و"تيدارميني" المالية، المتاخمة للصحراء (وقد استقر بها منذ أكثر من سنة)، وهو أيضا مؤسس ورئيس جمعية "إيكار"، التي تسعى لعلاج المالاريا، عن طريق نبتة يزرعها ويقوم برعايتها في منطقة شمال شرقي "مالي"، وهو متقاعد ويبلغ من العمر 61 سنة... تمكن من خلق شبكة واسعة من العلاقات، ويعرف المنطقة بكل دقة، لكثرة ما تجول فيها... يوم 23 فبراير أطلق سراحة، وجاء الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي" خصيصا للقائه، بينما كان في زيارة لرواندا، ولم تكن زيارته لمالي في البرنامج. حضر اللقاء وزير الخارجية وكاهية الوزير (كاتب دولة) المكلف بالتعاون الدولي، وعقد الأربعة ندوة صحفية في باماكو، عاصمة مالي... ضغطت فرنسا على حكومة مالي لإطلاق سراح من طالبت بهم "القاعدة" (أصيلي بوركينا فاسو وموريتانيا والجزائر)، ففعلت، مما أغضب الجزائر وموريتانيا اللتان استدعتا سفيريهما في باماكو،  خصوصا وأن مالي أعطت تسهيلات للجيش الأمريكي، في إطار "أفريكوم"، مما عمق الخلاف مع الجزائر...لا يهم الحكومة الفرنسية إلا إطلاق سراح مواطنها، حتى لو ثبت أن من طالبت بهم "القاعدة" إرهابيون فعلا...تساءلت بعض مواقع الأنترنت الفرنسية عن حقيقة هذا الرجل الذي ذهب الرئيس الفرنسي للقائه، وحول برنامج زيارته لبلدان أجنبية من أجل لقائه، بحظور وزير الخارجية ونائب وزير التعاون الخارجي... وأشارت بعض الصحف إلى أن العمل الإنساني استعمل كغطاء لنشاط ذي صبغة تجسسية، في منطقة حساسة من مالي، قريبا من الصحراء، تعتبر بمثابة القاعدة الخلفية للجماعات الإسلامية المسلحة الجزائرية، وربما لغيرها أيضا...وهي كذلك منطقة غنية بالمعادن... استشهدت بعض الصحف، وكذلك وكالتا رويترز وأسوشياتد براس، بملخص لإحدى جلسات لجنة الدفاع والشؤون العسكرية بمجلس النواب الفرنسي، يوم 27/01/10، وتحتوي على سؤال وجهه أحد النواب إلى السيد "برنار باجوليت"، منسق الإستعلامات لدى رئاسة الجمهورية، حول ضباط المخابرات الفرنسية المحتجزين في الخارج... تضمنت الإجابة ما مفاده أن عددهم ثمانية: إثنان في أفغانستان، وواحد في الصومال وواحد في مالي (ذكر اسم  بيير كامات) وأربعة في السودان... تم تأويل الإجابة على أنهم كلهم جواسيس، وهذا احتمال قريب جدا للواقع، خصوصا وأن المجيب ضابط تجسس محنك، عمل سفيرا في دمشق عام 1986 ، وكان مفاوضا من أجل إطلاق سراح  رهائل فرنسيين محتجزين في لبنان، ثم كان سفيرا في بغداد، عند احتجاز 3 صحافيين فرنسيين، على دفعتين (منهم فلورانس أوبناس، التي ورد ذكرها سابقا) كما كان أيضا سفيرا في الجزائر وعمان... وراجت عديد الأخبار عن مصادر "غير مأذونة" تفيد أن  جمعية "إيكار"، التي أسسها السيد بيير كامات، مسجلة فعلا منذ 15 سنة، لكن لا نشاط لها ولا أي أثر لجلسة عمومية أو  أعضاء، أوتقرير أو موقع أنترنت، ولا أثر لما توصلت إليه من نتائج بخصوص "النبتة السحرية" التي ادعت أنها تقوم بزراعتها لاستخراج عقاقير تعالج المالاريا... فهي مجرد غطاء لاعمال تجسس في منطقة حساسة تتطلب تواجدا مستمرا لجمع الأخبار والمعلومات، وأحسن غطاء هو العمل الإنساني، الخيري الذي لا ينتظر صاحبه "جزاءا ولا شكورا".

 

خلاصة

 

أظهر اغتيال "محمود المبحوح" مؤخرا في دبي، خطورة الكيان الصهيوني والإمبريالية على كل عربي يعارض مخططات الإمبريالية والصهيونية، والقتلة لا يحملون دائما بزة عسكرية ورشاش "عوزي" أو "أم 16"، بل يظهرون أحيانا في شكل شقراء جميلة "مل قلبها ليالي الضباب" (من قصيدة مغربية يغنيها عبد الهادي بالخياط بعنوان القمر الأحمر)، جاءت لتتأمل طلوع وغروب الشمس عندنا، وقد يكون في شكل سائح مسالم، جاء يقضي بضعة أيام مشمسة في بلادنا...أو مستقر فيها بعد سن التقاعد، ويتعلم العربية، "حبا في العرب"، أو موظف في "منظمة غير حكومية"، تساعد الفقراء أوالمرضى أوالنساء أو اللواطين أوالأطفال الخ... فالمغرب وتونس ومصر والأردن، ولبنان (وغيرها) مفتوحة على مصراعيها، وبأسعار زهيدة للسائحين الأوروبيين، وكل الصهاينة جاؤوا إلى فلسطين بجواز أمريكي أو أوروبي، ولهم كلهم جنسية أخرى إلى جانب "الإسرائيلية"، لذا فهم مرحب بهم في البلدان العربية، دون تأشيرة...أظهرت كذلك بعض الإغتيالات التي حصلت في روما وباريس ولندن، منذ الستينات، تشابك أجهزة المخابرات الصهيونية مع نظيرتها الأوروبية، وأظهرت اغتيالات الكوادر الفلسطينية في لبنان أن المثقفين المعارضين لاغتصاب فلسطين (مثلا)، موجودون على قائمة الإغتيال (قائمة غولدا مائير مثلا)، وعملية جمع المعلومات عنهم (تحركاتهم، عاداتهم، أوقات تنقلاتهم ومسالكها) تتم عن طريق أناس قريبين منهم، لا يرتدون بزة عسكرية ولا يحملون رشاشا... تكاثرت "المنظمات غير الحكومية" في فلسطين المحتلة والعراق المحتل والسودان المهدد... وهي في معظمها (إن لم تكن كلها) مكاتب خلفية لمخابرات بلدانها أو البلدان التي تمولها، والأمثلة التي ذكرناها تعتبر غيضا من فيض، وهي مجرد أمثلة قليلة.في الجزائر، أثناء سنوات الحرب الأهلية، تكاثر المبشرون الإنجيليون في المناطق المحرومة،  (راجع أعلاه ما ذكرناه عن أوكرانيا وجورجيا)، وقاموا بتسهيل الحصول على تأشيرات للعمل أو الدراسة في أمريكا وانجلترا واستراليا وأوروبا، وتقديم منح دراسية وفتحوا مراكز معالجة وأماكن عبادة بروتستانتية، إنجيلية... ولما قننت الدولة (بعد فوات الأوان) أماكن العبادة والترويج للديانات في الفضاء العام، قامت الدنيا ولم تقعد بعد، بتهمة التضييق على الحريات الدينية، الشيء  الحاصل فعلا في أوروبا ضد المسلمين، دون أن يحرك أحد ساكنا... وتحرك الفاتيكان بقوة ضد الحكومة الجزائرية، وهو الذي فرط في تراثنا المسيحي العربي في فلسطين، ولم يدافع عن حرية العبادة لغير اليهود (الأغيار) في بيت لحم والقدس...من حقنا أن نحتاط وأن نطرح التساؤلات المشروعة عن دور هؤلاء "الطيبين" الذين يتوافدون زمن الأزمات لمساعدتنا على تحمل الإحتلال، وإبعادنا عن كل ما يمت بصلة للمقاومة، كيفما كان شكلها: مقاومة مسلحة أو ثقافية أو سياسية الخ. لا يجب أن ننسى دور الأنظمة العربية التي أرادت لنا أن نقدس كل ما يأتي من "المركز"، بما في ذلك الجواسيس، وتسببت في تجويع وإذلال مواطنيها، الذين جاءت المنظمات الحكومية لإطعامهم ومعالجتهم... 

 

ملاحظة: العنوان الفرعي للمقالة "الطيب والجلف والصعلوك"، هو ترجمة لفيلم "وستارن سباقيتي"، أي أفلام رعاة البقر التي أخرجها إيطاليون في السبعينات، وهو من إخراج "سرجيو ليوني"، الذي اشتهرت أفلامه بموسيقاها التصويرية المميزة... الطيب هو الأوروبي الأبيض المتجه نحو الغرب الأمريكي لاستكمال استعمار البلاد، والجلف هو الساكن الأصلي للبلاد أي الهندي المقاوم الدي يحاول عرقلة تقدم قوافل المستعمرين المحتلين لأرضه، والصعلوك هو الذي لا يترك الأمور تسير كما أرادها القائد الإستعماري، بل يعارض قراراته ويفرض عليه معارك جانبية...

 

 

الجامعة العربية ولجنة متابعتها...فتوى بغير حق وبما ليس من حقها!

 

عبد اللطيف مهنا

 

 

من مفارقات هذا الزمن العربي الرديء، أن تصدر مواقف عربية رسمية توحي بإجماع العرب على ما يجسّد نقيضاً يعلموا متخذوه قبل من اتخذ باسمهم أنه نقيض لموقفين شعبيين، أولهما، تمسك كتلة الأمة بما اصطلح على تسميته بالثوابت القومية، أو تلك المسلمات التي لا زالت محل إجماع الأمة العربية، أو تلك التي تنسجم مع حقيقة مواقف الشارع العربي، وهي المتعلقة تحديداً بما، أيضاً اصطلح على تسميته لزمن ليس بالقليل، بالصراع العربي الصهيوني، الذي تحول في الخطاب الرسمي إلى النزاع العربي الإسرائيلي، ليغدو مؤخراً ما يصفونه بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وقد يصبح ذات يوم عند البعض، أو هو كاد، لاسيما إن استمر مثل هذا السائد الراهن، بالخلاف الفلسطيني الإسرائيلي!وثانيهما، هذا الحراك الشعبي العربي، الذي لم يعد يمور فحسب تحت سطح الركود العام المتبدي، أو تحجبه حالة الانحدار الرسمي المستشرية، وإنما غدت ملامحه تطفوا عبر اشتداد عود المقاومات وتجذّر مواقف الممانعات عربياً وإسلامياً، وفائض المباركة الجماهيرية البادية لارهاصاته التي بدأت تلوح.ولا تكتفي مثل هذه المواقف الرسمية عند مثل هذا الحد، بل هي أيضاً تعد نقيضاً موغلاً في لامعقوليته لمستجد المواقف الإقليمية والدولية التي تعكس حراكاً كونياً بادياً، ينبئ بتحولات استراتيجية ملموسة، تبشر بمتغيرات وتؤشرعلى معطيات سوف تفعل عقابيلها في السائد الراهن على الصعيدين الإقليمي والدولي فعلها.آخر مثل هذه المفارقات، فتوى مجلس وزراء جامعة الدول العربية، الملتئم في دورته الثالثة والثلاثين بعد المائة، التي يسجل أنه قد عارضتها دولة عضو واحدة هي سوريا وتحفظت عليها، وأجمع عليها من تبقى من الأعضاء، والتي أباحت لسلطة الحكم الذاتي الاداري المحدود تحت الاحتلال، العودة إلى ما يطلق عليه المفاوضات مع العدو المحتل بدون ضمانات كانت مطلباً عربياً وفلسطينياً تم الاصرار عليه لزمن، أو ما سميت الايضاحات التي طرحت كبديل لها بعد التنازل عنها والتي لم تعطى. بمعنى تنازل العرب في هذه الفتوى عن شرط وقف التهويد لما تبقى من الأرض الفلسطينية، أو ما يعرف ب"الاستيطان"... أو إعطاء الجامعة اليوم، التي لم تكن يوماً صاحبة قرار أو دور، عبر قرار هو ليس من حقها، مستغلة مسمى لجنة متابعة لم تتابع مهمتها الوحيدة وهي ترويج "مبادرة عربية" كان العدو قد وئدها في مهدها، وبالتالي دفنت منذ أقل قليلاً من العقد، وبقرار مجلس وزراء خارجيتها هذا، الذي يتراجع متخذوه حتى عن مبادرتهم التي يبعثون اليوم الحياة فجأة في لجنة متابعتها... اعطائها لرام الله الغطاء الذي نشدته للقبول بمقترح تصفوي أمريكي، أو تفويضها بالتفاوض حول ما سيملى عليها تحت سقفه، أي بلا مرجعيات أو ضمانات... وكل هذا بحجة تسهيل "المبادرة" الأمريكية، أو بالأحرى، مقترح تفرض هذه الدولة المعادية للأمة العربية والراعية للاحتلال، والتي شهرت حتى الآن سبعة وثلاثين "فيتو"، أو حق النقض، ضد قضية قضايا هذه الأمة في فلسطين!الطريف، أن من اتخذوا القرار قد شككوا سلفاً في جدوى ما افتو به بغير حق مسوغينه بزعم "إعطاء الفرصة للمباحثات غير المباشرة في محاولة أخيرة وتسهيلاً لدور الولايات المتحدة"... المفاوضات غير المباشرة التي سوف يهبَّ كل من نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن والمبعوث جورج ميتشل قادماً إلى المنطقة ليحولها لاحقاً، على الأغلب، إلى مباشرة!لا ندري أي دور ينتظرون ممن دأب عبر تاريخ الصراع على استخدام الفيتو ، كما قلنا، ضد كل أي مقترح أممي يقارب من قريب أو بعيد عدالة القضية العربية، وله من السياسات والتاريخ العدواني ضد العرب ما لا يجادل فيه اثنان في بلادنا، ويكفي القول أنه كان ويظل الحليف والراعي الدائم لعدوهم في فلسطين، والغازي المواصل لراهن الاعتداء المدمر المستمر عليهم الآن في العراق؟!لكن الأطرف، هو أن السلطة في رام الله، التي لم ترد يوماً دوراً للجامعة، والتي أشهرت في الأشهر الماضية شرطها القائل، لا للمفاوضات بدون الوقف الشامل والكامل للاستيطان، ثم تراجعت فاستبدلته بطلب ضمانات أمريكية، لتتراجع مرة أخرى لاستبدال هذا المستبدل بطلب ايضاحات أمريكية، وحيث لا وقف ولا ضمانات، ولا ايضاحات، لجأت إلى الجامعة التي لا دور ولا قول ولا حق لها لكي تمنحها غطاءً لتراجعها الكامل هذا، مستفيدة من صاحبة كرم في هذا السياق حيث سبق وأن مددت نيابة عن الشعب الفلسطيني لرئيسها المنتهية ولايته وفق القرانين الأوسلوية ذاتها!لن نتوقف أمام ما يطلقون عليه المفاوضات غير المباشرة، والتي لا نعرف كنهها، هل هي ستدار بوسيط أم ستدور عبر الهاتف أو على صفحات "الفيس بوك"، أم هي فحسب ستفتقد هذه المرة إلى التقاط الصور التذكارية؟!!كل ما يمكن معرفته فحسب أنها بعض كرم تسووي عربي، أو بالأحرى تصفوي، هو أشبه بالمكافأة لنتنياهو على إتمام تهويده للحرم الإبراهيمي ومسجد بلال، وسيره الحثيث الصريح لفعل المثيل بالحرم القدسي الشريف، وفي خلاصته إعطاء نتنياهو فرصة أربعة أشهر، ليضرب عصفورين بحجرها، هما، تهويد ما تبقى مما لم يهوّد بعد من المحتل من الأرض العربية الفلسطينية، وتمرير مسألة ضم تلك المقدسات الإسلامية لتراثه اليهودي المزعوم، بالإضافة إلى عصفور ثالث هو مواجهة ما يخشاه من ما قد يهدد إسرائيل ولو بشيء من العزلة إثر ما كنا وصفناه في مقال سابق بحفلة القتل الموسادية متعددة الجنسيات، التي اتخذ نتنياهو شخصياً قرارها لترتكبها وحدة "كيدون" في دبي، عندما اغتالت المناضل الفلسطيني محمود المبحوح، بتغطية وتحت ستار من مختلف جوازات السفر الغربية!... ومن حقنا أن نتسائل، هل هذه المفاوضات، تعيدنا إلى سابق ما سبق غزو العراق، بمعنى هل هي بعض من غطاء مطلوب من العرب في سياق التهيئة لحرب وشيكة أو مضمرة ضد بؤر المقاومة وباقي قلاع الممانعة لديهم؟!المهم أن أمريكا رحبت بالكرم العربي، ونتنياهو الذي يقول أن "رقصة التانغو يلزمها اثنان في الشرق الأوسط، ولكن يمكن أن يؤديها ثلاثة"، والآن هو في انتظار الراقص الثالث ميتشل، فرحب ب"نضوج العرب"!!!لسنا في حاجة إلى الكلام عن ما تعنيه فلسطين في ضمير ووجدان الأمة العربية والإسلامية، ولا لكونها بوصلة نهوض العرب وخروجهم من هذا الزمن الرديء المنحدر الذي تعيشه أمتهم، ولا عن الحراك المائر المنتقل رويداً رويداً من تحت سطح الركود الوهمي إلى حيث العيان، وننتقل إلى الحراك الإقليمي والدولي، الذي يعبر عن ما وصفناه سابقاً بالتحولات والمعطيات الاستراتيجية الإقليمية والدولية الجديدة، ونأخذ هنا الأمثلة التالية:في تقريره أمام لجنة الأمن في الكنيست يحذر رئيس وحدة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية من التحولات والمخاطر الكامنة وراء تعاظم روح المجابهة لدى جبهة المحور المقاوم والممانع في بلادنا والمنطقة... وإسرائيل بكاملها تعرب يومياً، ولأول مرة، عن خوفها من الإقدام على شن حروب درجت على شنها وقامت عليها، لأنها لم تعد تضمن نتائجها، ويكشف جدلها الداخلي الراهن عن تعاظم القلق الوجودي المزمن لديها، وهذا لتعاظم ما يمكن وصفه بتوازن الرعب، أو الردع المقاوم، الذي بدا يتشكل في المنطقة... ولعل هذا الخوف والقلق هو واحد من دوافع كثيرة تتعلق بالاستهدافات المعروفة للاستراتيجية الصهيونية، يتجلى في هذا التسريع المحموم لعملية التهويد الجارية، أو التعويض عن تلك الحروب غير مضمونة النتائج!... وإقليمياً، نكتفي بالإشارة إلى قول وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو، بأن بلاده تسعى "من أجل وضع استراتيجيات للعلاقة مع كافة الدول خلال الأعوام العشرين المقبلة... سنقيم دارنا بأنفسنا، ولن نقبل هيمنة من خارج المنطقة"... تلى هذا استدعاء أنقرة للسفير التركي في واشنطن للتشاور تعبيراً عن احتجاجها وغضبها، لأن الكونغرس وصف مأساة الأرمن أواخر العهد العثماني ب"الإبادة"!كما لا ننسى الإشارة إلى آخر تداعيات آخر تجليات التجاذب الخطر، أو هذه المواجهة الإيرانية الغربية المحتدمة حول برنامج طهران النووي، والذي تتراكم فيه النقاط لصالح تمسك العناد الإيراني بحقه المشروع وفق قوانين ومواثيق وكالة الطاقة الدولية، وحيث هبطت مؤشرات حدة التهديدات الغربية لإيران بالويل والثبور إلى مستوى نشدان الحلول إن لم نقل استجدائها. ... ودولياً، تكفينا أيضاً، الإشارة إلى أننا لأول مرة نسمع ضابطاً صينياً كبيراً في جيش التحرير الشعبي، وأستاذ في جامعة الدفاع الصينية، يدعو للإطاحة "ببطل العالم" الأمريكي، ويقول في كتاب جديد له حول "الحلم الصيني":"إن هدف الصين الكبير في القرن الواحد والعشرين هو أن تصبح الرقم واحد في العالم... القوة العليا"، وحيث يتحدث عن حتمية الصدام بين بيكين وواشنطن، يقول، إنما "هي منافسة على الزعامة، صراع حول من يسقط ومن يصعد للهيمنة على العالم... على الصين أن تعد نفسها لأن تصبح قبطان السفينة"!أوليس من مفارقات هذا الانحدار الرسمي العربي، أنه وفي ظل مثل هذه التحولات والمتغيرات الاستراتيجية، على الصعد العربية والإقليمية والدولية، أن تصدر الجامعة، التي يبدو أن مجتمعيها هم في وادٍ آخر، فتواها النقيضة لكل ما تؤمن به الأمة العربية... تسهيلاً لتآمر الولايات المتحدة، أو "بطل العالم"، الذي بدأت فعلاً عملية الإطاحة به كونياً، حتى قبل مطالبة الجنرال الصيني... تآمره لتصفية قضيتهم التي من المفترض أنها المركزية في فلسطين؟!سؤال مستحق، لكنما قد يكون من العبث وهذا هو راهن الواقع الرسمي العربي، أن يسال عنه الأمين العام لجامعة الدول العربية  فور فروغه من قراءة بيان مجلس وزراء خارجيتها في دورته الثالثة والثلاثين بعد المائة... الفتوى!

15 آذار (مارس) 2010

الذاكرة الشعبية والعنف المشروع ضد المرأة (الجزء الاول)، كلاديس مطر.

مشاهد رام الله المحررة: أنشطة وبيانات التطبيع الثقافي ومنه الأحمر، ثابت عكاوي.

مناهضة التطبيع في البحرين: جمعية العمل الوطني الديمقراطي تستنكر لقاء وزير الخارجية

 

الذاكرة الشعبية والعنف المشروع ضد المرأة

 

كلاديس مطر

 

(الجزء الاول)

 

مقدمة

 

 إن أي حديث عن المرأة لا يُختزل بواحدة فقط، لأنه فضاء الشاهدة على عصرها والمشاركة في الجرم في آن، فضاء وحشة الحرملك المرة والاستلقاء الحر تحت شمسه، فضاء  السيدة في ثياب الخادمة والعكس، فضاء البحث عن الأنوثة في جوارير المكاتب وقوانين العمل الذكورية الصارمة والتوق للاختباء في عباءة "سي السيد"، فضاء  اللهث وراء  الجوائز التقديرية والرغبة في الانزواء في مطبخ العائلة الممل، فضاء الخوف من الرجل وتخويفه، فضاء المساواة والتمييز، واخيرا فضاء محاربة العنف المشروع والسعي الخفي وراءه. انه حديث لا يختزل بواحدة، ولا يسعى للثأر، ثم ينشغل عنه بالمجاملات وإنما يرى بعين التكامل مع وجدان الرجل، كل النساء ؛ تلك التي تفور بأنوثتها الوجدانية المحققة، وتلك التي تعاني من أنوثة متعطلة، تلك التي تطلب من الرجل كل شيء، وتلك التي لا تطلب إلا محبته واحترامه، تلك التي تتداعى روحها بسبب العنف النفسي والعاطفي المشروع، وتلك التي لا تحيا من دونه. انه حديث لا يختزل بواحدة في حمية الدفاع عنها ضد كل أشكال  التمييز والعنف، وانما هو خطاب يلم في داخله المرأة الطفل، والمراهقة الأبدية، والمرأة المنافسة، والمرأة العقلانية، والمرأة النرجسية، والمازوخية، وتلك التي تسعى في كل حركة للحصول على الأمن، وتلك التي تمارس الختان الروحي على نفسها، وتلك التي ختنت تحت مشرط "التهذيب البشع". انه موجه حقا لامرأة كل يوم، لامرأة بلادي وبلاد العالم..

 

انه حديث عن المرأة التي " تريد أن تضفي صفة شخصية على كل شيء، العاجزة عن تطبيق عدالة ما من دون ان تعرف الوجه الإنساني لمن هو موضوع الاتهام لأنها ترفض اللاشخصية في الكلمات والأفكار".[1] انه حديث عنها تلك الطالعة من الذاكرة الشعبية، والتي مجدتها الدراما السينمائية.. امرأة لم "يعمرها" رجل مفتون بها، و إنما آخر، أراد قطع رقبتها باسم الحب وادعاء الحفاظ عليها.  انه "حديث – بحث"  عن النموذج القديم حين كانت "الأنثى – الكلمة " ترف على وجه الماء الأولى، بحث عن المرأة المتعافية و المتصالحة مع ذاتها، السليمة والقوية والمتوارية في روح "تيامت" (أنثى  الماء المالح في أسطورة اينوماايليش)، وفي روح صيادة انكيدو الجبار في جلجامش،  و شتار ربة العشق التي لعنته وكانت سبب موته،  و"عناة" التي قضت أيضا على اقهات في الكون الكنعاني القديم ، والزباء ملكة تدمر والجليلة بلقيس، وفاطمة الزهراء ورابعة العدوية وأسماء بنت بكر وخولة بنت الازور وكذلك السيدة خديجة ملهمة الرسول الكريم.  انها فاتن حمامة الهشة الناعمة طيعة العود، المتوارية في روح  الخيزران، زوجة الخليفة المهدي وام الهادي والرشيد  وفي "ممتاز زماني" معبودة الهند وصاحبة تاج محل وكذلك مدام رولاند سيدة الحرية في فرنسا، ومدام دوستايل سيدة الفكر، وهيلين كيلر الروح التي قهرت العمى ولم يعرف العنف طريقه إليها. إنها سناء جميل القوية الصاخبة وصائدة الحق المتوارية في روح في مريم العذراء والمجدلية.

 

أفق الأسئلة

 

تفتح عبارة "العنف المشروع" أفقا هائلا من الأسئلة والصور، ليس عن المرأة فحسب، وإنما عن هذا العالم اليوم بشكل عام. إننا ندخل حقا في ألفية هذا النوع من العنف المبرر بحيث يبدو ذلك العنف الممارس ضد المرأة ربما الأخف وطأة. فتحت قانون "مكافحة الإرهاب" العتيد، رأت الدنيا مجازر كثيرة وصل البعض منها إلى المليون روح، أخذهم هذا القانون في طريقه " بقصد أو بغير قصد "من دون أن يحاكم احد على الإطلاق، بل العكس، كانت تقدم التبريرات الواحدة تلو الأخرى للانتهاكات الفادحة للروح والجسد ضد النساء والرجال على السواء. لقد أصبح هناك فلسفات ووجهات نظر تطرز بها هذه التجاوزات المشروعة و تملح بالأمثلة والبراهين لدرجة أصبح منطقيا ان تعامل المرأة على رأي المثل الشعبي " السجادة كل مرة بدها نفض او كالزيتونة التي لا تحلو الا بالرص او كمدقة الباب المباحة لكل الأيدي كل الوقت او كالبغلة او كالشيطان...الخ". لكن الأمر يتجاوز هذه الشكوى كما يتجاوز حقا تقارير الأمم المتحدة المدججة بالدراسات  والإحصائيات المتاحة، وأقول المتاحة، لما في الأمر من صعوبة على الاستقصاء والوصول إلى الأرقام الحقيقة للانتهاكات و حوادث العنف المشروعة او التي تغض عنها قوانين الدولة والمجتمع الطرف. الأمر يتجاوز حقا كل هذا لأنه – برأيي – يتعلق في طبيعة الشخص الممارس للعنف، او القامع، أكان رجلا أم امرأة. والعنف والقمع وجهان لعملة واحدة في نسيج الشخصية، اذ انهما يتجليان في هذا الميل التدميري، وليس البناء للفرد. وفي كونه شخصية كارهة للمجتمع، او لنقل مؤيدة لأكثر قوانينه المكتوبة والشفهية، خطأ وتشويها وتدميرا.

 

 والمستوى الثقافي كما أرى لا يتدخل كثيرا في تحسين سلوك الشخصية القمعية، وانما في اغلب الأحيان يجعل من وسائلها أكثر تعقيدا وتفننا. ففيروس الحريم يصيب مثلا الكثير من الرجال المتعلمين بعد الزواج، بينما قد نجد أميا ذا شخصية اجتماعية متفهمة وبناءة. و من هنا نفهم ان "المعلومة أي المعرفة" لا تلعب هذا الدور المفصلي في تهذيب الشخصية إلا اذا كانت هذه الأخيرة، سليمة نفسيا و منفتحة من دون ردود فعل دفاعية خاصة تجاه الدنيا حولها والناس. فلم تنفع عبقرية نيتشة الإبداعية في منعه من الاعتراف بثقة  "لا تدخل على المرأة إلا والسوط في يدك"، ولا لاهوتية القديس توما  من التصريح أن "المرأة إنسان ناقص التكوين و كائن عرضي"،  ولا حتى فلسفة أرسطو من اعتبارها" مثل الهمجي الإغريقي"، ولا بصيرة أفلاطون من أن يراها "أحط طبيعيا من الرجل"، ولا موضوعية ابقراط العلمية الطبية من اعتبارها "مرضا آخر من بين الأمراض الأخرى"، ولا أدب توفيق الحكيم من أن يدينها  " كمخلوق تافه.. صنعت من ضلع تافه من أضلاع آدم وخرجت من الجنة و أخرجته بسبب تافه".

 

الفرد القمعي ـ العنيف

 

 فاذا كانوا مثل هؤلاء قد كتبوا عنها ما كتبوا، ألا يمكننا أن نفهم أن هناك خصائص ربما لمثل هذا النموذج الإنساني الفردي الذي أطلق في الذاكرة الشعبية أمثالا على شاكلة "المرأة مثل السجادة أو الزيتونة أو هي شيطان رجيم بحاجة للضرب أو الرص"، و ذلك بلغة عامية بسيطة بعيدة عن فذلكة النحو وتكلف البلاغة؟؟

 

الحق لقد لفت نظري تفنيد خصائص هذه الشخصية من قبل الفيلسوف الاميركي لافاييت ران هبارد كما هي واردة في بحث مطول له بعنوان "antisocial personality " [2] او الشخصية اللاجتماعية، وذلك من بين العديد من مدارس التحليل النفسي والدراسات والأبحاث المنتشرة والمعروفة التي تعنى بدراسة الأنماط الشخصية للإنسان.  ولقد وجدت في هذا التفنيد نموذجا لذلك الذي "يمارس العنف" ضد الآخرين بغض النظر إن كان هذا العنف مشروعا أو غير مشروع.

 

ولعل من أهم خصائص هذه الشخصية القمعية أو العنيفة هي في كون الفرد:

 

1) يتحدث انطلاقا من عموميات عريضة جدا، مبهمة وغير قاطعة او محددة. مثل  "قالوا.."، "الكل يعتقد.."، "الجميع يعلم..". إن مثل هذه العبارات هي التي تُعتمد دائما، خصوصا متى أراد الشخص نشر الشائعات حول الآخرين. ( والشائعة  عنف مشروع متعارف عليه ؛ وهو تدمير الآخر وسمعته من خلال إطلاق أخبار مريبة وكاذبة عنه ). وعندما تواجه هذا الشخص سائلا إياه: "من هم الجميع..." ندرك ان الجميع ليسوا سوى مصدر واحد اعتمده الشخص القمعي او العنيف باعتباره رأي كل المجتمع، وذلك بقصد الوصول الى مآربه التدميرية. و الملاحظ يجد ان المثل الشعبي لا يشير الى خصوصية الحالات، وانما هو حكم عام. فعندما يتحدث عن المرأة فهو يقصد كل النساء، وعندما يتحدث عن الحماة او الكنة فهو لا يتحدث عن كنة بعينها او حماة بعينها وانما يشمل الجميع بعبارة او بتقييم واحد. المثل الشعبي هو حكم عام مطلق، وبهذا المعنى يعتبر مثلا قمعيا لأنه يلجأ الى التعميم، خالطا الصالح بالطالح.

 

2) القمعي - العنيف فرد لا يتعاطى او يتعامل الا مع الاخبار السيئة، والملاحظات النقدية الجارحة  والعدوانية، والإهانات القمعية التي تقضي على معنويات الآخر. والمراقب لهذا النوع من الشخصيات سوف يرى انه فرد عاجز عن التلفظ بكلمات لطيفة او مشجعة، او نقل اخبار جيدة عن امر ما او انسان ما.

 

3) القمعي - العنيف فرد يحور و يبدل في الحديث الذي ينقله، بحيث يجعله اسوأ او ابشع وقعا على الاخرين. الاخبار الجيدة تتوقف عنده،  يحتفظ بها في داخله و لا ينقل الا البشع منها، وفي اغلب الاحيان تكون الاخبار السيئة من اختلاقه هو.

 

4) من الاشياء المحزنة عن هذا النوع من الشخصيات انه لا يتفاعل او يظهر أي ردة فعل تجاه العلاج الجسدي او الاصلاح النفسي. انه مستهتر بصحته وعلى الأغلب يعتبر ان العلاج بحد ذاته عقيم ومدعاة إلى السخرية.

 

5) إن المحيطين بهذا النوع من الأفراد يشعرون بالتهديد. (وهذا نوع من العنف الخفي والمستمر والمشروع، طالما ليس ثمة عقوبة يمكن ان تطاله أو  قانون جزائي يمكن ان يشمله) فإذا لم ينتهوا الى الجنون، فهم على الأقل يتصرفون بطريقة شاذة  وخرقاء في الحياة.  إنهم فاشلون ومتداعون. والملفت ان هذا النوع من الأفراد وأقصد المحيطين بالشخصية العنيفة - القمعية، يتحولون الى "مصدر كامن للمشاكل" (أي مسببين للمشاكل) الأمر الذي يجعل من المرأة الناجية من العنف، او تلك التي تتعرض له بشكل مستمر، والتي هي على علاقة ما بشخصية قمعية او عنيفة، امرأة مسببة للمشاكل لمن حولها. إنها امرأة غير مستقرة لا صحيا ولا نفسيا، كما ان مكاسبها الروحية قليلة لا تلبث ان تعود الى الانتكاس، المرة تلو الاخرى، من دون ان تتمكن من الاستفادة من خلفتيها المعرفية او الثفافية. وربما كان هذا هو السبب بوجود هذا الكم التراكمي من الأمثال الشعبية المعادية للمرأة في الذاكرة الجمعية للمجتمع التي تحرض على نبذها، و السخرية منها، وتجنبها، وحتى قتلها قتلا ناجزا. الحق ان المثل الشعبي لا يميز بين المرأة التي تتعرض للعنف فتتحول الى نموذج مسبب للمشاكل وبين النساء الاخريات. انه، كما اسلفنا، يشمل النساء جميعا ضمن حكم مطلق واحد عام. ان المرأة التي تعيش في كنف شريك عنيف قمعي، تتمتع بمقاومة مناعية ضعيفة أمام الأمراض، وقدرة بطيئة على ترميم دفاعها الجسدي الذاتي  العودة الى الصحة. ويبدو من العبث ان تعالج او تمرن او تعلم او تدرب مثل هذا النوع من النساء، طالما هن تحت تأثير هذا الفرد العنيف والقمعي، وهذا القانون  ينطبق ايضا على كل الناس بشكل عام.  الحق ان اكبر عدد من المجانين -على راي هبارد- هم مجانين بسبب صلاتهم مع هذا النوع من الشخصيات، وهم غير قابلين على الشفاء لنفس هذا السبب. بينما نادرا ما نرى القمعي في مشفى الأمراض العصبية، وانما فقط "اصدقاءه" وافراد عائلته. الحقيقة ان المجنون الفعلي ليس ذلك القابع في هذه المشفى وانما ذاك الذي سبب وجوده هناك.

 

6) غالبا ما يتوجه العنيف - القمعي الي الهدف الخطأ. فاذا كان سبب مشكلته هي ألف فانه ينتقم من باء، واذا كانت جيم فانه يرد الصاع صاعين لدال...!!

 

7) القمعي - العنيف غير قادر على إنهاء عمل ابتدأ به. انه فرد محاط بأعمال وأشغال غير منتهية.

 

8) للقمعي العنيف قدرة على الاعتراف وببرودة أعصاب بأكبر الكبائر والجرائم من دون ان يشعر بمسؤوليته تجاهها، او بأي نوع من الخجل او الاسف. انه شخص يدعم المنظمات و التجمعات التدميرية، او التي نطلق عليها اليوم ارهابية، ويحبذ انشطتها و يعطيها مشروعيتها ويعارض تلك التي تسعى الى تحسين شرط الانسان وعالمه. والفنان كما يلاحظ هبارد بشكل خاص، يشكل جاذبا لهذا النوع القمعي- العنيف من الأشخاص الذين يرون في فنه شيئا يجب تدميره، وهم يفعلون ذلك بشكل مستتر باعتبارهم "أصدقاءه".

 

9) للشخص العنيف- القمعي إحساس  خاطىء بالملكية. إن فكرة ان يملك أي إنسان أي شيء، هي محض ادعاء بالنسبة له. فلا احد في الواقع ـ برأيه -  يملك شيئا حقا. ولهذا فهو يعتدي حتى على الأملاك العامة وليس فقط على الآخرين حوله.

 

اما السبب الرئيسي الذي يدفع العنيف- القمعي لكي يتصرف على هذه الشاكلة بحسب نظرية هبارد، فيعود الى خوفه المستتر من الآخرين. فبالنسبة لمثل هذا الفرد يعتبر كل إنسان عدواً له يجب التخلص منه سرا أو علنا. اما بقاءه على قيد الحياة  فيعتمد على الإبقاء على الآخرين في حالة مزرية أو في حالة جهل. و هذا هو العنف اليومي الذي يمارس سرا وجهارا من دون ان يحتويه قانون جزائي، أو يحيط به استنكار مؤسساتي حقيقي.والحق ان العنيف يستشعر بالخطر الشخصي من أي إنسان يغدو أقوى وأفضل وأحسن وأغنى منه. ونظريته كما وضح هبارد مبنية على الفرضية التالية: "انه اذا كان الناس حولي ضعفاء أو مغيبين فإنهم سيهلكون ولا يغدو بعد احد ذكيا وقويا لدرجة يشكل فيها تهديدا لي". لكن لننتبه هنا، ان العنف الجماعي المتمثل في الانتهاكات الجنسية الذي يمارسه الجنود في النزاعات المسلحة يعتبر امراً رائجاً و معروفاً وهو لا يعني ان كل الكتيبة أو كل افراد الجيش يتمتعون من دون استثناء بخصائص هذه الشخصية القمعية العنيفة، وانما هناك ظروف معينة تفرض على الإنسان سلوكا معينا محددا بذاته. والإحصائيات الواردة في  (الدراسة المتعمقة بشأن جميع أشكال العنف ضد المرأة في تقرير الأمين العام لعام 2006 ) تظهر حقائق مرعبة بالنسبة لهذا النوع من العنف "التقليدي"، وبالتالي المشروع ظاهريا الذي يحدث في فترات الصراع المسلح. ولقد  ذُكر في هذا التقرير تحت بند (العنف ضد المرأة في الصراع المسلح) "أن النساء يتعرضن لكل أشكال العنف الجسدي في هذه الفترات من الصراع، وهو عنف تمارسه جهات فاعلة تابعة للدولة، و جهات فاعلة غير تابعة لها. ومن بين هذه الأشكال، هناك العنف المتعمد وأنواع القتل غير المشروع، والتعذيب والتعاطي القاسي والمهين والاختطاف والاسترقاق الجنسي والاستغلال الجنسي واقتطاع أجزاء من الجسد أو تشويهها والتجنيد القسري للنساء كمقاتلات والاعتقال التعسفي والزواج القسري والبغاء القسري والإجهاض القسري والتعقيم القسري."[3]  وكل هذا يستخدم في فترات الصراع كشكل من أشكال التعذيب. إما لإلحاق الأذى بالمرأة أو لابتزاز المعلومات أو لإهانة المجتمعات وتخويفها وتدميرها، وكذلك لإهانة الأعداء وطرد المجتمعات أو فئات عرقية معينة من أرضها، أو لنشر فيروس المناعة البشرية عن قصد.[4] ومن أهم البلدان التي مورس فيها هذا النوع من العنف أفغانستان وبوروندي وتشاد وكولومبيا وكوت ديفوار وجمهورية الكونغو الديمقراطية وليبريا والبيرو والشيشان / الاتحاد الروسي ورواندا وسيراليون ودارفور في السودان وشمال اوغندا ويوغوسلافيا السابقة.[5] عود على بدء نقول أن الشخصية القمعية- العنيفة لا يمكن ان تدرك انها كذلك. وليس صحيحا انه لو عثرت فيك على احد خصائص هذه الشخصية انك منهم. فالنقد الذاتي رفاهية لا يمكن للقمعي- العنيف ان يحصل عليها. فقط الانسان متوازن العقل يمكن له ان يصحح من سلوكه.

 

إن من الحكمة بمكان ان يؤخذ بالحسبان تعميم خصائص هذه الشخصية لتصبح جزءاً من ثقافة المجتمع تماما، فلا يتم تعيين قمعي او ميال للعنف في أي منصب حساس اكان سياسيا او اجتماعيا او اقتصاديا او اداريا تنفيذيا.. وذلك لان القمع ليس ظرفا او حالة او شرطا وانما هو انسان، والعنف كذلك.

 

الذاكرة الشعبية وشرعنة العنف

 

تعد الذاكرة الشعبية سلة ثقافية متكاملة. انها مرآة نقية غير مجاملة، وفوق هذا وذاك انها تبدو بلا روح، وذلك لصرامة صراحتها التي تصل أحيانا الى حدود الفجور صورة ولفظا. الذاكرة الشعبية شريط بانورامي يعج بالأفكار والأمثال والحكايات ووجهات النظر  والفرضيات والآداب والفنون والتسالي وثقافة الجسد والتراث المعماري والعلوم والأخلاقيات والطباع والعقائد والطقوس والعادات من كل صنف ونوع، وتطور اللغة والعلاقات المدججة بقواعد المجتمع والاقتصاد والدين والسياسة.. انها شريط يختزل أنواع الرجال والنساء  وكذلك تاريخ تطور المطابخ المحلية والأطعمة والأزياء وفن الحروب والزراعة والصناعة وعلم تشريح الحب والكره وسلم الأمزجة البشرية والأحلام التي لم تجد منفذا لها إلا في الشكوى والموت البطيء، وكذلك قهقهات النصر ولحظات الفرح العابرة. إنها وعاء تصنعه ربما معارك القادة المدججين وأكاليل المجد المضفرة على رؤوس الحكام والمشرعين العسكريين و جنرالات المراحل، و هي ايضا خزانة لخرق الفقراء ولأغطية النساء المقدسة عبر العصور. انها تاريخ الحجب والحريم الاحتفالي وكل ما يمت اليهما بصلة من أمثال وقصص وقوانين وممارسات. لكن هذه الذاكرة الشعبية ليست إحدى وسائل الأعلام بالمعنى المتعارف عليه للكلمة، مع ان تأثيرها يماثل تأثيره، وان كان بطريقة أبطأ و ضمن حركة أوسع واشمل وأكثر تجذرا. وبالرغم من ظهور ثقافة أخرى او ذاكرة أخرى في المجتمع وهي الثقافة الوطنية القومية والثقافة العالمية بحيث بدت الذاكرة الشعبية وكأنها حاضرة غائبة بشكل ما، الا أن تأثيرها على الثقافة الوطنية أو على الشخصية المجتمعية الوطنية للفرد، حقيقي بشكل ما، وهي نادرا ما تفند او يدقق فيها، وانما تتسلل الى نسيج روح الفرد بهدوء وتؤدة مع التربية والنقل الشفاهي التواتري عبر الأجيال. ما يميز الثقافة الشعبية المدنية عن أية ثقافة تلقينية أخرى هو في كونها مربوطة تلقائيا وطبيعيا بالصيرورة الزمنية والمكانية لحركة التاريخ ؛ اي أنها نتاج لصراع الطبقات والأجيال والعقائد ووسائل الإنتاج، بينما ليس هو الحال تماما في الثقافة الدينية التي لم تصل إلى الإنسان نتيجة لأي صراع فكري أو مادي معين، وإنما لقنت له وقدمت بكل ما تحمله من خطوط حمراء وثوابت. وبسبب سرعة تناقلها فقد ساهمت النساء أنفسهن مع الرجال في نقلها عبر الثرثرة ودعم أدبياتها التربوية غير السوية في المنزل كتشجيع الأخ على تأديب أخته، وضرب الزوج لزوجته، وعدم السماح للمرأة بالتحكم بإدارة المنزل الاقتصادية، وأشكال العنف الأخرى التي تعتمد على الإهانات المستمرة والتقليل من شأنها وعزلها روحيا ونفسيا... الخ.

 

الموقع الالكتروني للكاتبة:

 

http://www.gladysmatar.net

 

مشاهد رام الله المحررة:

 

أنشطة وبيانات التطبيع الثقافي ومنه الأحمر.

 

ثابت عكاوي

 

لست ادري اللغة الأم للمصطلح (سكلانس)، وإن كنا نعرف معناه العام بأنه خليط عجيب أو عدة مخاليط غير متجانسة وغير قابلة للتفاعل الكيميائي حتى تتجانس او يُخرج منها عنصر جديد. هذا حال الأرض المحتلة اليوم. بلد لا يحكمها اي معيار من معايير دنيا السياسة والكيانات السياسية، استقلال بلا سيادة،  سلطة بلا ارض، اقتصاد بلا إنتاج...الخ في زيارة لمكتب صديق قريب، سمعت صوت طبول وأدوات موسيقية  (بورزان- كما يقول الترك) . نظرت إلى الشارع وإذا قرابة خمسين رجل يرتدون بزة كشفية ويسيرون في طابور عسكري، ولكن بأيدي مرخية وسيقان تتباعد بطريقة غير منضبطة. ووراء هؤلاء تُرفع يافطة مكتوب عليها:

 

13 آذار يوم الثقافة الوطنية!

 

اثار هذا الشعار في راسي تساؤلات قاسية:

 

ما هي الثقافة الوطنية الفلسطينية؟ هل هناك اصلاً ثقافة وطنية فلسطينية؟ فالثقافة الوطنية تعني:

 

اولا: أن هناك وطنًا محتلاً لا يسميه اهله (الوطن المحتل) هل يجوز هذا؟

 

ثانياً: أن الوطن كل فلسطين، وليس ما يتم تدريسه في المدارس بأن الوطن من جنين إلى خانيونس.

 

ثالثاً: أن الثقافة الفلسطينية هي جزء من الثقافة الفعلية اي العربية.

 

رابعاً: تكون هناك ثقافة وطنية حين يكون هناك مثقفون وطنيون؟ فهل المثقفون الذين يعيشون على التطبيع او يسكتون عن التطبيع او لا يهتمون بالتطبيع أو يرضون بفلوس الأنجزة أو يصرخون لتحسين حصصهم من المال الممنوح حراماً  هم مثقفين وطنيين؟

 

خامساً: هل الاحتفال بيوم الثقافة الوطنية هو بالمارشات والطبول ام بتقييم علمي نقدي موضوعي لأداء المثقفين واختبار حدود أو مستوى عطائهم فنيا ووطنيا وارتباطهم بقضيتهم وتعبيرهم عنها.

 

سادساً: من بين الخمسين ممن شاركوا في هذا العرض العسكري الثقافي/التطبيلي في الحقيقة، لم اشهد اية إمرأة! ربما افضل لها.

 

المشهد الثاني

 

في اليوم نفسه، نشرت جريدة القدس خبرا أن عملا مسرحياً عرض مساء 12 آذار كعمل مشترك أميركي-فلسطيني بعنوان "من القدس مع حبي...ناجي" والعمل ممول من القنصلية الأميركية في القدس. كاتب النص اسمه عزام ابو السعود، والفرقة التي تبنته هي مسرح الحواتي، ومديرها اسمه جمال غوشة. وكما ورد على لسانه "ان هذا العمل يحمل رسالة إنسانية حول أهمية التبادل الثقافي".  يحار المرء اي تبادل ثقافي مع القنصلية الأميركية ؟ ألم يسمع هؤلاء الناس من هي الولايات المتحدة، لا نقول في مذابح العراق وافغانستان، بل هنا في فلسطين! تقدم بضع دولارات لمسرحية وتقدم لإسرائيل طائرة فانتوم! فاين هي الثقافة الوطنية والمثقفون الوطنيون من هكذا اختراق وفضائح؟ ام أن المثقفين قد بِيعوا وبايعوا على الوطن؟

 

المشهد الثالث

 

وفي اليوم نفسه، كانت مجموعات من الصبية يوزعون على منعطفات شوارع المدن في الضفة المحتلة بوسترات صغيرة عليها صورة ما يسمى في عرف المرحلة "مطرب" من مصر اسمه عمرو مصطفى. الذي سوف يحيي حفلا في سرية رام الله الأولى يوم الخميس 18 أذار الجاري. والحفل بالتعاون مع الاتحاد العام للفنانين الفلسطينيين وهو الاتحاد الذي فتحت له القننصلة الأميركية قبل بضع سنوات بيتها ليعرض هؤلاء الفنانين رسوماتهم. بكلمة أخرى، فاتحاد الفنانين يمارس التطبيع "الفني"، وسرية رام الله تمارس التطبيع الأحمر،  بما هي مؤسسة يُقال إنها يسارية. ماذا يقول المثقفون الفلسطينيون إذن؟ هل سيكتب أحد سطراً؟ إذا كان لامرىء فرد ان يشهد كل هذه الأعمال الخطيرة والتخريبية  بل عثر عليها قدمه دون بحث، فكم هو عدد الأعمال المشابهة في البلاد؟ وطالما أن كل هذه ضد الوطن وليس فقط الثقافة الوطنية، فماذا يفعل المثقفون؟ اين هم؟ إذا كانت الثقافة سكلانس، فماذا نقول في الاستجداء، والفساد، والسمسرة،  وتفكيك القيَم. وفي النهاية. هل هناك من قبضة من المثقفين لتقف ضد هذا؟ 

 

المشهد الرابع

 

صدر على إحدى المواقع الإلكترونية بيان ينقد اتحاد الكتاب الجديد بدأه أربعة كتاب هم: جميل هلال (أحد الموقعين على بيان أل 55 ضد العمليات الاستشهادية) ، وزكريا محمد (الذي أطلق مؤخراً صرختين : الأولى ضد مسرح القصبة، لكنه رفض التوقيع على عريضة ضد التطبيع!!! والثانية طالب بتحسين مقدار تقاعده من سلطة أوسلو) ، وفيحاء عبد الهادي ونجوان درويش. يعترض هؤلاء على الانتخابات التي جرت مؤخراً لاتحاد الكتاب ويعتبرون الاتحاد لا يمثلهم.حيث تمَّ تعيين أمانة عامة للاتحاد، باتفاق فصائلي .هذا البيان مطلبي مناصبي. لم يُشر إلى الوطن لا من قريب ولا من بعيد، ولم يلامس التطبيع، ولا أنشطة التطبيع الثقافي التي تنخر دماغ الثقافة العربية في فلسطين ومنها الأنشطة المذكورة أعلاه. فهل في فلسطين مثقفون وثقافة، فما بالك بوطنية!إذا كان هؤلاء المثقفون ومن سيوقع معهم لا يكترثون بالتطبيع سواء مع إسرائيل أو اميركا، ففيمَ يقلقون!

 

مناهضة التطبيع في البحرين:

 

جمعية العمل الوطني الديمقراطي تستنكر لقاء وزير الخارجية قادة اللوبي الصهيوني

 

الحملة الاعلامية الجديدة ضد المعارضة تستهدف إشغال المواطنين عن القضايا الكبرى

 

بعد فشل الضجة المفتعلة التي أعقبت خطاب الأمين العام لجمعية الوفاق في مؤتمرها العام الذي تحدث فيه عن الموقف المعروف للمعارضة حول أهمية الحكومة المنتخبة في أي ملكية دستورية، بدأت القوى الموالية للحكم حملة جديدة، هذه المرة بحجة مقابلة جمعية الوفاق للسفير البريطاني. هذه الضجة المفتعلة محاولة للتشكيك في وطنية أحد أطراف المعارضة رغم أن السفير البريطاني والأمريكي وغيرهم من السفراء يقومون بشكل مستمر بمقابلة النواب والسياسيين والتجار والجمعيات والشخصيات وزيارة الشركات والمصانع وحضور المجالس الرمضانية دون ضجيج أو تحريض إلا عندما يتعلق الأمر بلقاء مع أحد المعارضين.فقد قابل السفير البريطاني في أوقات سابقة نوابا من كتلتي الأصالة السلفية والمنبر الاسلامي (إخوان مسلمين) اللتان ساهمتا في الحملة الاعلامية ضد الوفاق. كما قابل مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق سياسيين من الموالاة والمعارضة في جناحه بفندق الريتز أثناء زيارته البحرين عام 2005 وناقش معهم الوضع السياسي في البحرين. ويقوم ممثلون لقوى الموالاة والمعارضة بالتحدث عن الأوضاع الداخلية للبحرين عند استضافتهم من قبل قنوات تلفزيون وراديو عربية وأجنبية أو في مؤتمرات وندوات خارجية. والغريب أن يدور الحديث عن تدخلات سياسية بريطانية أو أمريكية بمجرد لقاء سفير بالمعارضة أو بسبب ندوة تقام في لندن أو واشنطن رغم أن الجميع ُيدرك أن العلاقات بين البحرين وكل من بريطانيا والولايات المتحدة هي علاقات متينة واستراتيجية حيث تحتضن البحرين قاعدة الأسطول الأمريكي الخامس بالجفير.  فكيف يكون حلفاء نظام الحكم وأصدقاءه المقربون الذين يوفرون له السلاح والمستشارين الأمنيين والحماية العسكرية هم في نفس الوقت حلفاء لمعارضة تطالب بابعاد المنطقة عن الأحلاف العسكرية التي تجمع واشنطن ولندن بعواصم الخليج العربي؟وفي الوقت الذي يرتفع صوت نواب وجمعيات وشخصيات معسكر الموالاة مطالبين بمعاقبة جمعية الوفاق ومحاسبتها على مجرد لقائها بالسفير البريطاني، يسود معسكر الموالاة صمت مطبق حول عمل خطير قام به وزير خارجية البحرين بلقائه مطلع فبراير الماضي قادة الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة. فقد استضاف الحاخام شيمتوف وزير خارجيتنا في حفل عشاء شمل منظمة الأيباك وهي اللوبي الصهيوني الكبير في واشنطن الداعم لسياسات "إسرائيل"، وكذلك الرابطة اليهودية ضد التشهير التي تقوم بمهاجمة كل منتقد للدولة اليهودية بحجة معاداته للسامية. العذر الذي ساقه وزير الخارجية حول حرصه على مقابلة مكونات الشعب الأمريكي عذر واه لأنه ليس من المقبول لقاء زعماء اللوبي الذي يشن الحملة تلو الأخرى ضد الموقف العربي دعما للكيان الصهيوني، وما يكشف خطورة هذا التوجه هو ما نُقل عن وزير الخارجية خلال اللقاء قوله "علي الجميع أن يدرك أن إسرائيل لها وجود تاريخي في منطقة الشرق الأوسط وأنها موجودة هناك في تلك المنطقة وللأبد"، وأضاف "حينما يدرك الآخرون تلك الحقائق فإنه سيكون من السهل التوصل للسلام بين دول المنطقة وإسرائيل" على حد تعبيره!! هذا القول لوزير عربي يُضفي شرعية على الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية ويجيز استمرار تهويدها بحجة "وجودها التاريخي الأبدي".حملات التشهير المتوالية ذات النفس الطائفي التي يُجيش لها بعض أهل الحكم مؤشر لأزمة الحكم في إحتواء الغضب المتزايد من أبناء الشعب بسبب انتشار الفساد وسط كبار المسؤولين وفشل السياسات الحكومية في الإسكان ورفع مستوى المعيشة رغم كل الثراء الذي إنهال على أهل السلطة والنفوذ. هناك من يُريد إشغال المواطنين بالقضايا الصغيرة- التي يصطف فيها الناس حسب مذاهبهم لا حسب مصالحهم ومستقبل أبنائهم- حتى يتسنى له في غفلة منهم الاستحواذ على الأراضي والمال العام. الموقف الوطني المطلوب هو التضامن بين جميع القوى الوطنية المعارضة، واستمرار المطالبة بملكية دستورية حقيقية لا تقوم على امتيازات عائلية أو قبلية، وبحكومة ديمقراطية منتخبة، وبمحاسبة ومساءلة كل المسؤولين الذين يتسببون في هدر المال العام أو سرقته.

 

جمعية العمل الوطني الديمقراطي ( وعد )

 

3 مارس 2010

 

16 آذار (مارس) 2010

 

الذاكرة الشعبية والعنف المشروع ضد المرأة (الجزء الثاني والاخير)، كلاديس مطر.

 

اتحادات الكتاب، التطبيع، الحكومات، وثقافة المواربة!د. عادل سمارة.

 

مناهضة التطبيع في البحرين:"مقاومة التطبيع" تستنكر لقاء وزير الخارجية مع اللوبي الصهيوني في أميركا

 

الذاكرة الشعبية والعنف المشروع ضد المرأة

 

(الجزء الثاني والاخير)

 

كلاديس مطر

 

يستطيع القارئ ان يطالع الجزء الاول على الرابط التالي:

 

http://kanaanonline.org/ebulletin-ar/?p=2693

 

 1ـ الامثال الشعبية والعنف الجسدي ضد المرأة

 

لا تشتمل الأمثال الشعبية على كل أنواع العنف الجسدي المشروع وغير المشروع الممارس حاليا ضد المرأة. اذ ان هناك أنواعا من العنف، استحدثتها الظروف او ربما المستجدات الاجتماعية والفكرية، وفرضتها الثقافة وحيويتها وحركتها المتناسبة مع حركة الصيرورة الزمنية والمكانية للتاريخ ووسائل الانتاج كما أسلفت. فأمثال على شاكلة: "اضرب المرأة قبل الغذاء و بعد العشاء"،  "البنات يا تسترهن يا تقبرهن"، "يا ما أحلى فرحتهم لو ماتو بساعتهم ، "العار ما بنغسل الا بالدم"، "بطن جاب البنية اضربوه بالعصية. واطعموه لحم بايت ولا تقولوش خطية"،"اللي بتموت بنته من صفاوة نيته"، "اكسر للمرة ضلع بيطلعلها 22 ضلع"، "لا تدخل على المراة الا والعصا معك"، "البنت مثل مدقة الباب مين ما كان بيدقها"، "موت البنات من المكرمات"، "المراة مثل السجادة كل فترة بدها نفض"، "المراة مثل الزيتونة ما بتحلى الا بالرص"...الخ. هي امثال تختزل  سقف العنف الشعبي المحفوظ في ذاكرة المجتمع، لكنه ربما موجود في بذور كل أشكال العنف الذي تعاني منه المرأة اليوم. ان هذه الامثال توثق في الحقيقة لمشروعية احتقار المرأة  ونبذها وتكريس دونيتها، كما انها تشي عاليا باختلال التوازن والانعدام الهيكلي للمساواة بينها وبين الرجل.  ان مفهوم العنف الجسدي ضد المرأة يبدو اليوم مطاطا ومن دون حواف تقريبا ؛ فهو يشتمل على العنف الاسري والمجتمعي، وكذلك الذي ترتكبه الدولة او تتغاضى عنه. وهناك فئات معينة من النساء  معرضات للعنف المشروع بشكل خاص بما في ذلك "الأقليات و نساء الشعوب الأصلية واللاجئات والفقيرات المدقعات والنساء المعتقلات في مؤسسات إصلاحية او في السجون والفتيات والنساء المعوقات والنساء المسنات والنساء في أوضاع الصراع المسلح".[1]الحق ان عنف الذكر ضد الأنثى يتأتى من مواقف اجتماعية – ثقافية. انه نتيجة لثقافات عنف حقا في كل أنحاء العالم وهو في لب هذه الرغبة في "السيطرة على تناسل الأنثى وجنسانيتها، كما انه يتقاطع مع عوامل أخرى كالمسالة العنصرية والطبقية ومع أشكال أخرى من العنف .[2] ويبدو انه لا يوجد سبب يعتبر وحده كافيا لحدوث العنف ضد المرأة، وانما "ينبع من تلاقي عدة عوامل في السياق العام لصراع وتفاوت القوى على صعيد الفرد والمجموعة و البلد و العالم بأسره"[3] كما ان مظاهره مختلفة و اختبار المرأة الشخصي له يدخل فيه عوامل كثيرة من بينها حالتها الاقتصادية والعرق والاثنية والسن والطبقة والتوجه الجنسي والدين والقومية والثقافة.

 

الامثال والعنف النفسي ضد المراة

 

وهي الأمثال التي تربط الصفات السيئة بالمرأة وتقلل من شأنها وتطلب على الأخص الحذر منها لدرجة ربط ذكرها بذكر الشيطان وأسماء الحيوانات. انها أمثال  تدخل في  نسيج المفهوم الشعبي للعنف المعنوي والنفسي واللفظي، الذي يمارس ضدها، والذي هو من أكثر أنواع العنف رواجا ومشروعية على الاطلاق. انه عنف جاهز تحت الطلب له مبرراته و قاموسه الكبير ومصطلحاته وبالطبع أمثاله. انه عنف استهلاكي عالمي وليس فقط من "صنع الشرق". فيه نشتم رائحة التمييز على أشده. كما نرى فيه تراتبية السلطة والتبعية على أسس عقائدية ومادية،  "فالنزعة الأبوية متمترسة في القواعد الاجتماعية والثقافية، ورسخت وجودها في الهياكل القانونية والسياسية، وغرست جذورها في الاقتصاد المحلي والعالمي، وحفرت حفرا على سطوح الإيديولوجيات الرسمية و الخطاب الرسمي."[4]أما أول مثل من بينها فيأتي على لسان المرأة نفسها "قوسني  برصاصة ولا تضربني بقضيب توت" وهو يعني انها تفضل الموت على الإهانة او العنف اللفظي و النفسي.

 

ومن بين هذه الأمثال التي تعد حقا بالآلاف من كل أنحاء العالم بلا استثناء اذكر

 

- " امن للحية ولا تأمن للمرا " مثل عربي وهو يعني "أمن لعدوك اللئيم ولا تأمن لصنف الحريم.

 

- "حط كلب ينطر باب دارك والقط ياكل فارك ولا تقول لمرتك اسرارك" مثل عربي.

 

- "طاعة النسا ندامة – طاعة النسوان ندامة" مثل عربي ويعني ان الرجل اقدر على التصرف في شؤونه.

 

- "المرا الها نص عقل ومشاركة فيه ابليس"، مثل عربي.

 

- "البنت مهما عليت مالها غير بيتها جوره" مثل عربي ويعني ان منزل الزوجية هو مقبرة المرأة وملاذها الوحيد ليس لها غيره.

 

- "البنت جناح مكسور" مثل عربي.

 

- "النساء حبائل الشيطان" مثل عربي.

 

- "صوت حية ولا صوت بنية" مثل عربي.[5]

 

- "المراة الجيدة تعني الخادمة الجيدة" مثل فرنسي.

 

- "لا تثق بالمرأة حتى وان ماتت". ( يوناني)

 

ـ "زوجتي بغلتي" ( الجبل الاسود).

 

ـ "الشيطان استاذ الرجل وتلميذ المرأة" ( ياباني).

 

ـ "لا تستند الى الجدار المائل ولا الى المرأة" (تشيكي).

 

- "ولدت المرأة قبل الشيطان بثلاثة ايام" مثل بولوني.

 

- "تعليم المراة مثل اعطاء السكين بيد قرد" مثل هندي.

 

- "كل شيء ياتي من عند الله الا المراة" مثل ايطالي.

 

- "صدق المراة معجزة لا تصدق" مثل الماني.

 

- "الكلب اكثر فهما من الزوجة، فهو لا ينبح على صاحبه" مثل روسي.

 

- "النساء والخيول والكرمة تتطلب اسيادا اشداء" مثل تركي.

 

- "النساء والجسور تحتاج دائما لترميمط، مثل انكليزي.

 

- "المرأة حيوان لها شعر طويل وافكار قصيرة"، شوبنهور.

 

ـ "المراة كالعقرب تشق طريقها في الحياة بان تلدغ كل من يقف في طريقها" اناتول فرانس..... الخ.[6]

 

والقائمة طويلة لا تنتهي، مع خشية من ان تتحول مقولات هؤلاء المفكرين المعاصرين بحق المراة الى امثال شعبية مع الوقت، تتراكم فوق هذا التراث اللفظي العنيف الذي لا يجد قانونا جزائيا واحدا لردعه، او ارادة سياسية حقيقة لوقف عاصفة السخرية المبطنة بالاحتقار والتعالي. والحق انه مع كل تقدم يحرز في موقع المراة ومكانتها يقابلة مقاومة في تغيير المواقف الاجتماعية – الثقافية التي تتساهل مع مرتكبي العنف ضدها. فعندما تقصر الدولة في مساءلة مرتكبي العنف، انما هي تبعث برسالة الى المجتمع، مفادها ان عنف الذكر ضد المراة شيء مقبول أي مشروع ! وهكذا يصبح السلوك العنيف عاديا. هناك قواعد ثقافية بأكملها ترتاح فوقها هذه العوامل السببية للعنف تجاه المراة. انها قواعد مرتبطة " بممارسات تقليدية شعبية مهولة في أذاها " مثل (تشويه او قطع العضو التناسلي للمرأة، وزواج البنات القاصرات وتفضيل الاولاد الذكور)، ثم هناك جرائم الشرف والعقوبات الجنائية التمييزية المؤسسة على قوانين تستند على الدين مباشرة. وبحسب دراسة الامين العام لعام 2006 "مارست قوى سياسية منظمة، في بعض الظروف، بما فيها أشكال من الأصوليات الثقافية والدينية، ضغطا على الحكومات لعكس اتجاه التقدم الحاصل في حقوق المراة." وهكذا بدت المكاسب السابقة التي حققتها في مهب الرياح. إن هذه الأصوليات في الحقيقة تقف حجر عثرة أمام عدم توفر البيانات حول مختلف أشكال العنف ضد المرأة. وندرة هذه البيانات وقلتها من اجل تقييم حالة العنف هذه من شأنه ان يعيق تحليل هذه الظاهرة كما يعيق رسم السياسة والتدابير بناءا على هذه البيانات. الحق "لقد قدمت الحجج الثقافية النسبية في سياقات وطنية ومناقشات دولية عندما كان يطعن في القوانين والممارسات التي تنتقص من حقوق المرأة الإنسان. [7] وأصبح تسييس الثقافة على شكل "أصوليات دينية في سياقات جغرافية و دينية متنوعة خطرا على الجهود الرامية الى ضمان حقوق الإنسان - المرأة." زد على كل هذا، قلة الموارد المخصصة لهذا الأمر "فما زال صندوق الأمم المتحدة ألاستئماني للقضاء على العنف ضد المرأة مثلا، بعد 10 سنوات من إنشائه، يتلقى اقل من مليوني دولار في السنة، وكأنه اعتراف ضمني بان الأموال يجب ان تهدر في أمور أهم من تلك التي يمكن ان تهدر على "شيطان رجيم، او كائن بنصف عقل" كما تردد الأمثال.

 

الأمثال والعنف الاقتصادي ضد المراة

 

قد يكون التفاوت الاقتصادي احد الأسباب المحرضة للعنف ضد المرأة أكان هذا على مستوى فردي، او على مستوى جماهيري عريض [8]. ومن خلال  مراقبة بسيطة على المستوى عالمي لهذا الطرح نجد ان الدول الغنية اقتصاديا تقمع الأقل مقدرة منها وتحاول ان تسيطر على مواردها  وتسود عليها وتلحقها بها وبسياستها. ان القدرة الاقتصادية الجيدة  يعني القدرة على اتخاذ القرارات والتفرد بها واستقلالية هذه القرارات. وانطلاقا من نفس الطرح نجد ان "التفاوت الاقتصادي بين النساء والتمييز ضدهن في مجالات، مثل العمالة والدخل والحصول على الموارد الاقتصادية يقلل من قدرة المرأة على اتخاذ القرارات، ويزيد من إمكانية تعرضها للعنف." والحق ان الاستغلال الاقتصادي للمرأة يبدأ من الأسرة، فهي غير مالكة لموارد الأسرة الاقتصادية (أي انها ليست بيدها) مثل الأرض والممتلكات الشخصية والأموال، ولا هي متحكمة بها او لها صلاحية كاملة أو غير كاملة في إدارتها، الامر الذي يعرضها للعنف. وفي المجتمعات المهمشة تؤدي خصخصة القطاع العام والعولمة، الى تكريس اللامساواة بين الجنسين اقتصاديا واجتماعيا. فاذا كانت الحكومات الوطنية قادرة قبل ذلك على شيء من تعزيز حق المرأة عن طريق دعم القطاع العام والبرامج الاجتماعية، فان الامر ليس كذلك عندما تظهر سياسات جديدة تعمد الى التعديل الهيكلي واعادة تنظيم الاقتصاد وفق أسس اخرى. ان العولمة تزيد الهوة بين الفقراء والاغنياء بكل ما لهذا التفاوت من نتائج اجتماعية وضغوطات: انها في الحقيقة تخلق انماطا جديدة من العنف ضد المرأة ومن بينها الاتجار بها، وذلك تماما كما حدث بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق. لقد امتلأت الذاكرة الشعبية وعلى الأخص الشرقية او العربية بأمثال تؤكد على عدم قدرة المرأة على التحكم بالموارد او فهم طبيعة راس المال، وحصرته تماما في الرجل. ومن أشدها و اكثرها حدة اذكر:

 

ـ اللي بتشتغل فيه السمرا بتحطه خطوط و حمره.

 

ـ بتدين و بتتزين.

 

ـ يهمها جيوبك قبل عيبوبك.

 

ـ لا تسلم المراة دقنك وسرك ومالك

 

ـ الله معك الله معك اذا كان الك بسمار ببيت ابوك اقلعيه و خديه معك (وهذا يعني ان البنت تحاول ان تاخذ معها كل شيىء من بيت اهلها  حتى سقاطة الباب).

 

الامثال والعنف دفاعا عن الشرف (العنف الاسري)

 

ربما كان العنف بين شريكين حميمين هو من أكثر أنواع العنف شيوعا في العالم، وهو ما يسمى بالعنف الأسري أو الذي يقع بين زوجين أو بين شريكين حميمين خارج إطار الزواج،  كما هو الحال في الدول التي تعتبر هذا الأمر لديها متعارفا عليه و جزءا من قيمها  الاجتماعية. ضمن نطاق هذا النوع من العنف "نجد أعمالا مثل الإكراه جنسيا او نفسيا و أنواع العنف البدني الذي يشتمل على القوة البدنية او المادية او استخدام السلاح بقصد ايذاء او جرح المرأة. وكذلك محاولة الجماع او اكماله مع امرأة مريضة او معوقة او تحت تأثير المشروبات الكحولية او مخدرات اخرى". [9] وضمن حقل العنف الأسري نجد أيضا وأد البنات والعنف أثناء الحمل (بما فيه الضغط النفسي والاهانة والازدراء والشتائم والتهديدات والتخويف والصراخ العدواني والإرهاب النفسي )، واختيار جنس الجنين والزواج المبكر والعنف المتصل بالمهر وختان الأنثى والجرائم التي ترتكب باسم الشرف وإساءة معاملة الأرامل بما في ذلك دفعهن إلى الانتحار، وهي كلها ممارسات قمعية عنيفة تشارك فيها الأسرة والمجتمع المحلي. ثم هناك تقييد حق البنت الثانية في الزواج، وفرض قيود على تغذية الحامل وفرض الإطعام بالقوة والممنوعات الغذائية  وزواج الأرملة من أخ زوجها المتوفى.[10]

 

ومن بين الجرائم الأسرية الأكثر شرعية ربما والأكثر ايذاءا والأكثر استقطابا للانتباه، هي جرائم الشرف التي لا يبلغ عنها كلها و بالتالي لا توثق كلها. "وهناك أكثر من خمسين الف امرأة يقتلن دفاعا عن الشرف بأيدي أفراد أسرهن في مختلف أنحاء العالم".[11]والحق قد يجد المرء غرابة في ان يعثر على شيء من بذور هذا النوع من التحريض الأسري في الأمثال الشعبية، بل قد يجد مبالغة في الأمر، خصوصا أن في الأمثال نكهة ساخرة مرحة، وكأنها تروج "لمشروعية" هذا التحريض وتنفيذه. والمشروعية تمهد للموافقة، والموافقة هي في أساس الأحكام العامة القمعية التي تشكل النسيج المضموني والبلاغي للمثل الشعبي. ان هذه السخرية سمحت للعنف أن يمتد كإخطبوط بحري بعدة أرجل.. انه هناك في وسائط النقل العمومي وفي أماكن العمل والمدارس والأندية الرياضية والكليات والمستشفيات، وفي المؤسسات الدينية والاجتماعية. انه في الحقيقة عنف مشروع مبني على التمييز البحت و موجه ضد المرأة بناءا على جنسها.

 

من بين هذه الأمثلة أذكر:

 

- اقطع راس البس من ليلة العرس

 

- تزوجت أختي يا سعادة بختي (أي جاء دوري في الزواج. بما ان الكبرى تزوجت فأنه أتى دور الصغرى في الزواج) 

 

- اذا ما بدك تزوج بنتك غلي نقدها (خيار الزواج)

 

- البنت حظها متل البطيخة (خيار الزواج)

 

- اذا كان بدك تصون العرض و تلمه زوج بنتك من هل عينها منه. (خيار الزواج)

 

- البنت اذا سلمت من العار بتجلب العدو للدار (والعدو هنا هو الصهر الذي يطالب بارث زوجته)

 

- اخطب لبنتك قبل ابنك (لستر عرضها)

 

- سترة البنت جازتها (لستر العرض)

 

- ما بتنفق بنت الحارة الا وراها الف سمساره.

 

- البنت إما جبرها أو قبرها

 

- شرف المرأة مثل عود الكبريت.. يشتعل لمرة واحدة

 

- الرجل حصان لا يعيبه شيء.. إنما يعيبه جيبه فقط

 

- الرجل إن زنى كالسيف إن انجلى

 

- موت وليتك من طيب نيتك

 

5- العنف غير الموثق في الامثال

 

هنالك الكثير من أشكال العنف بحد ذاته وبخصوصيته غير الموثقة في الذاكرة او الأمثال الشعبية، لكنها كلها تستند على روح الازدراء والدونية الموثقة بوضوح، واعتبارها شبه مقدسة في هذه الذاكرة العتيدة. هناك عنف مشروع يرتكب من قبل "الدولة ومندوبيها ووكلائها، كأعضاء الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية وكذلك موظفي تنفيذ القوانين والقوات العسكرية وقوات الامن."[12] انه يتبدى على شكل أفعال تعذيبية أو معاملة غير إنسانية او عقوبة قاسية. ان الحكومات ترتكب العنف ضد المرأة بقوانينها وسياساتها كالسياسات التي تجرم سلوك المرأة الجنسي، وتلك السياسات المعنية بالتعقيم و الحمل القسري والإجهاض القسري وتلك المعنية بالحجز الوقائي للمراة (أي سجنها) وتشرع سيطرة الذكر عليها. ان التغاضي عن العنف يكون أيضا بعدم الاكتراث بتنفيذ القوانين التي تدين مرتكب العنف والإفلات من العقاب. لكن ذلك العنف المرتكب في السجن مثلا من يعاقبه ومن يدينه ومن يقر به؟؟!! انه يتجلى في مراقبتها أثناء الحمام أو تغيير ملابسها وفي جعلها تخلع ملابسها أثناء التفتيش أمام الرجال وفي التحرش الجنسي الكلامي بها، ثم الرقابة التي يفرضها ضباط السجون على حياتها اليومية...الخ.[13]واخيرا...ان الإيحاء بقتل الأنثى "صراحة" غير موثق او موجود في الأمثال الشعبية وان كان هناك تحريض عليه بالمعنى التأديبي للكلمة. غير أن موت الأنثى ان كان بقرار الهي فهو مستحب علانية كالمثل الذي يقول "ما أحلى فرحتهم لو ماتوا بساعتهم". أيضا لا يوجد أمثال تطلب علانية الاتجار بالمرأة و استغلالها جنسيا ولا رشق المرأة بالاسيد او تشويهها ولا ذلك العنف الذي يتصل بالفوارق الاثنية او الدينية، ولا يوجد مثل على استغلال الخادمات. لكن القتل الشعبي اذا اردنا ان نطلق عليه هذه التسمية، يرتبط بمظهره الشغفي او العشقي اكثر مما يرتبط بمظهره الجنائي المتعمد، بمعنى انه يتم بسبب غيرة مفرطة او حب للتملك او شوق كقول بعض الأمثلة "ضرب الحبيب زبيب ولو بقضيب رمان و لو بحجر صوان" او "الحب اعمى "او" من الحب ما قتل".

 

[1]   دراسة متعمقة بشأن جميع أشكال العنف ضد المرأة – تقرير الامين العام.

 

NGO Working Group on Women, Peace and Security, Fact Sheet on Women and Armed Conflict, October 23, 2002, available at: http://www.iwtc.org/212.html

 

 [2]  المرجع السابق نفسه

 

 [3] See Harway, M. and O’Neil, J., eds., What causes men’s violence against women (Thousand Oaks, Sage Publications, 1999); WHO Multi-Country Study on Women’s Health and Domestic Violence Against Women: Initial Results on Prevalence, Health Outcomes and Women’s Responses (Geneva, WHO, 2005);.and WHO, World report on violence and health (Geneva, WHO, 2002)

 

 [4] See http://www.ohchr.org/english/about/publications/docs/FAQ_en.pdf ; and Clapham, A., Human Rights Obligations of Non-State Actors (Oxford University Press, 2006)

 

 [5]  كتاب " الامثال الشعبية الشامية " – لنزار  الاسود – مكتبة التراث الشعبي  - دمشق.

 

 [6]  موقع ديوان العرب على الانترنيت – الامثال الشعبية  العالمية .

 

 [7] Potgieter, C., “Gender, culture and rights: challenges and approaches of three Chapter 9 Institutions”, Gender, Culture and Rights, Agenda Special Focus, vol. 115 (2005), pp. 154-160, 159, quoting Chanock, M., “Culture and Human Rights: Orientalising, Occidentalising and Authenticity”, in Mamdani, M., ed., Beyond Rights Talk and Culture (New York, St. Martin ’s Press, 2000), p. 15.  ( See note 1, para. 61; E/CN.4/2004/66; and E/CN.4/2002/83, para. 5

 

 [8] E/CN.4/2000/68/Add.5; and Merry, S. E., “Constructing a Global Law? Violence against Women and the Human Rights System”, 28, Law and Social Inquiry (2003)

 

 [9] Saltzman, L., Fanslow, J. L., McMahon, P. M. and Shelley, G. A., Intimate partner violence surveillance: Uniform definitions and recommended data elements, version 1.0. (Atlanta, Centers for Disease Control and Prevention, National Center for Injury Prevention and Control, 2002)

 

 [10] Federal Ministry for Family Affairs, Senior Citizens, Women and Youth, Health, well-being and personal safety of women in Germany: A representative study of violence against women in Germany (Bonn, Federal Ministry for Family Affairs, Senior Citizens, Women and Youth, 2004). Central research results available at http://www.bmfsfj.de

 

 [11] UNFPA, State of World Population 2000 (New York, UNFPA, 2000); Kogacioglu, D., 2004. “The tradition effect: Framing honor crimes in Turkey ”, Differences: A Journal of Feminist Cultural Studies, vol. 15, No. 2 (2004), pp. 119-151

 

 [12]  تقرير الامين العام – دراسة متعمقة بشان جميع اشكال العنف ضد المراة – 2006 ص 85.

 

 [13] See E/CN.4/1998/54; E/CN.4/2004/66/Add.1; Human Rights Watch, All too familiar: Sexual abuse of women in U.S. state prisons (1996); Arbour, L. Commission of Inquiry into certain events at the Prison for women in Kingston (Public Works and Government Services, Canada, 1996)

 

 [14]  مصطلح السلالات  في الأساس للناس، للأجناس وهو من توليدات علم الإنسان (الأنثروبولوجيا-وهو مفصل لفهم آليات استعمار العالم الثالث)، لكن بعض علماء الإنسان الماركسيين ولَّدوا منه سلالات أنماط الإنتاج Lineage Mode of Production ، ويمكننا توليد سلالات العمل السياسي. ما قصدته هنا أن كثيرين من اليسار المعترف بالكيان تبعته الأجيال الجديدة بالاعتراف واتخذ حتى طابعاً حمائليا واسرياً. يمكننا بالطبع فهم هذا التوارث لدى البرجوازية حيث يرث الإبن ثروة ابيه –المسروقة بالطبع كملكية خاصة- أما ورثة الموقف السياسي والإيديولوجي ففيه مصادرة على الوعي !

 

الموقع الالكتروني للكاتبة:

 

http://www.gladysmatar.net

 

اتحادات الكتاب، التطبيع، الحكومات، وثقافة المواربة!

 

د. عادل سمارة

 

أزعم أنَّني زرتُ بلدانا كثيرة، كلما جاد عليَّ الاحتلال بالخروج، لكنني لم أرَ الإشارة الضوئية  تضيءُ الأحمرَ والأصفرَ والأخضرَ معاً في أية مدينة، سواء في المركز أو في المحيط،  إلا في رام الله!  ذلك خلل كهربيِّ بالطبع!  لِنَقُل حالة تناقض بخلاف حال الفلسطينيين بل حال ثلاثي الكتاب والأدباء:

 

·       الاتحاد العام للكتاب والصحفيين في دمشق

 

·       والاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب.

 

·       واتحاد الكتاب في الضفة والقطاع. 

 

نعم، إذا كان ثلاثي الأضواء متناقضاً، يبدو أن ثلاثي الاتحادات متناغماً!  ولا يحصل هذا إلا في مرحلة الأدب الموُارِب، المثقف الموارِب وهو بالطبع الذي ينتج ثقافة المواربة.أُوردُ هذا بناءً على ما ورد في بيانٍ صادرٍ عن اتحاد الكتاب في الضفة والقطاع ورد فيه: "... كما نوقشت المسؤوليات الأساسية التي تقع على عاتق الاتحاد من أجل تفعيله وأهمها الالتزام بجميع الاتفاقات التي وقعت مع كل من الاتحاد العام للكتاب والصحفيين في دمشق والاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب ... كما أكدت الأمانة العامة على التزامها بالثوابت الوطنية والعمل على ترسيخ ثقافة المقاومة ومقاومة التطبيع". 

 

المصدر: (abed aboujamoos )

 

وبدايةً، فإن مقاومة التطبيع تُنعِشُ القلب وترفعُ الروحَ رفعةً صوفيةً/مقاوِمَةً إلى أقرب المحطات إلى الباري.  ولكن ماذا عمّا قبل تاريخ اليوم؟  وهذا سؤال للاتحادات الثلاثة التي فرقتها سيطرة الجغرافيا القطرية وجمعتها هيمنة القيادات السياسية فخرجت لنا موارِبَةً لا رمزية.  مَنْ يمحو الماضي، ويُغفله ولا ينقده أو يمدحه، كيف هو بالطبع، هو تماماً كمن يرفعُ شعارَ "إزالة آثار العدوان" فَشَطَبَ احتلال 1948 وساوَمَ على احتلال 1967م! هو لا تاريخاني بامتياز. كيف فهناك حتى أمماً بلا تاريخ. أما في حالتنا، فيقوم بعضنا بمحاولة مسح تاريخنا حتى القريب منه، بل المتداخل حتى باليومي. لكني أعتقد أن هذا لن يمرِّ! لقد داس المطبعون العرب، من كتاب وشعراء وفنانات وفنانين إلى آخر تلك القائمة، الأرضَ المحتلَّةَ، تحت مُسمى دعم الشعب الفلسطيني!  أقول الأرض المحتلة لا الدولة الحرة، فما موقفكم من ذلك؟  أليس الصحيح الواضح أن يصدر التزامٌ يُنادي بشجب كل مظاهر وسلوكيات التطبيع السابقة، ومن مارسوا التطبيع من المحليين والعرب؟  فالتطبيع السابق، مثلاً الاعتراف بالكيان الصهيوني منذ 1948 (الاعتراف الأحمر) هو آفة التطبيع  القادم (اعتراف اكمبرادور) يا للعجب كيف تتداخل هذه السلالة[14] وتلك وتتواصلا؟  وهو الذي يُشَرْعِنُ العديد من التطبيعات سواء بزيارات عرب إلى هنا أو بخروج محليين إلى الخارج الأوروبي في مؤتمرات ومنح ودورات وغيرها، والله أعلم!كيف نصد الطوفان، إن لم نبنِ السدود ونصلح الأرض التي خربها تسونامي التطبيع فصارت يباباً؟!كيف للجيل الجديد أن يؤسِّس على الاتحاد الحالي إذا لم يقدم أرضاً نظيفة للإخصاب؟  كيف للمرأة أن تحمل وتنجب ما لم تتطهِّر من بقايا حمل سابق حتى لو كان حقيقياً وبالحب الحر، وليس بحرية الحب الممنوحة؟  إدانة التطبيع سابقاً، تدين من طبَّعوا، وعندها سنرى كم كاتباً سيُثبت انه كاتبٌ؟لكن، وكي لا نظلم أحداً، لا بد من إعطاء كل ذي حق حقه، وذلك بتقسيم الكتاب حسب أضواء مدينة رام الله:

 

o "اللون الأصفر" اتحاد كتاب الفن للفن، وعلى رأسهم كتاب اعترفوا بالكيان وطبعوا معه وأولهم شيخهم الشاعر الراحل الذي لم يجبني على تساؤلي حول كيفية اغتيال ناجي العلي!  والشيخ محاطٌ، حتى بعد رحيله، بِمَدَّاحين وَنَوَّاحين عليه، يمدحونه بالمجلدات ولا ينقدونه بجملة!

 

o "اللون الأخضر" اتحاد كُتَّابٍ نِقابِيّ لمصالح الكتاب بمن فيهم الذين ينقدون المرحلة والسلطة في بحثهم عن تحسين شروط المعيشة والتقاعد، وربما تخفيض الأسعار رغم أن هذه من مقدسات السوق!

 

o "اللون الأحمر – إذا تخلص من تراث عيب سلفه في الاعتراف- اتحاد كتاب سياسي (وطني /قومي/طبقي) يضم الكتاب الملتزمين سياسياً والمتمكنين فنياً.

 

أما كتاب الحكومات، فهم بمختلف الألوان!فهل سقطت الاتحادات الثلاثة في لقائها بدمشق في خانة كتاب الحكومات؟  هل ما حصل في دمشق هو توافق سياسي يضاجع التسوية ولا يعشق المقاومة؟  توافقٌ لمْ يقمْ حتى على المعايير الفنية، لذا فقد جاء بلا لون ولا ضوء.حين ينزلقُ الوطنُ من تحت أقدام أهله، لا تعودُ هناك حرية في المواقف؟  لا يمكن لك أن تكون وطنيا اليوم ومطبعاً غداً، وتقول "أنا حر/ة"!  لا، فَحُرِّية السوق لا تنطبق، هذا إن وُجدت، على الموقف من الوطن! وحرية السوق، أي شموليته، يجب ألا تطال حرية الفكر.  بوسع الحكومات أن تفرض قوانين على السلع والملكية الخاصة، وما أسوأ الملكية الخاصة!  لكن ليس لها أن تتدخل في الفكر والثقافة، وهي المستوى الدراويشي من الفكر، مقارنة بالصوفية والفلسفة. ما حصل في دمشق كان حقيقياً لو أنه اشترط شجب التطبيع السابق ومراقبة التطبيع اللاحق، حتى لو بوضع "قنَّاص على الجسر"  كما كتب ضدي مطبع فلسطيني ذات يوم لفرط ما أوجعه نقدي.حين تعلن حكومة أنها سوف تصوغ ميثاق شرف ثقافي (خطاب د. سلام فياض في تسليم جائزة محمود درويش)، نقول على الثقافة السلام!  فليس للحكومة يداً على الثقافة إلا بالقوة والقسر.  هذا إلا إذا قصد السيد فياض ثقافة التسوية/أوسلو التي عارضها درويش رمزياً ومارسها فيزيائياً، بينما نُحر ناجي العلي سلفاً كي تمر.هي المواقف إذن!  هي الحساسية والإحساس العالي!  هي لحظة صدق في تربية بناتنا وأولادنا ليعلموا ويتعلموا، خطورة الوعي المتلاعِبْ والتلاعب بالوعي ونفاق المرحلة.  بل كي يُغنُّوا للوطن وليس للدولة والمال والثقافة الحرام.

 

مناهضة التطبيع في البحرين:

 

"مقاومة التطبيع" تستنكر لقاء وزير الخارجية مع اللوبي الصهيوني في أميركا

 

رغم الاحتجاجات الشعبية ودعوات نواب المجلس النيابي وممثلي التنظيمات السياسية في البحرين برفض أية محاولات رسمية لتعزيز التطبيع مع الكيان الصهيوني، إلا أن وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن محمد آل خليفة مصراً على مواصلة النهج المضاد للإرادة الشعبية واستمراره في اللقاءات والاجتماعات مع منظمان يهودية معروفة توجهاتها الصهيونية وهي بمثابة منظمات تمثل لوبيات صهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تدعم مالياً وسياسياً وفكرياً الكيان الصهيوني، وتضع الإستراتيجيات لإنجاح مخططات صهيونية في العالم.وقال الناطق الإعلامي باسم الجمعية عبدالله عبدالملك إن "اللقاء الأخير لوزير الخارجية بمعية السفيرة البحرينية في واشنطن هدى نونو مع ممثلي منظمة (إيباك) الصهيونية في أمريكا وكذالك مع حركة (حباد) الصهيونية المتطرفة يمثل صدمة جديدة لشعبنا والشعب العربي عامة والفلسطيني على وجه الخصوص الذي يواجه هذه الأيام مؤامرات الكيان الصهيوني  السيطرة على الحرم الإبراهيمي الشريف في القدس وسياساته القمعية والتدميرية  بحق مدن وقرى وشعب فلسطين".وأضاف عبدالملك "كان من الأولى بوزير الخارجية أن يعبر عن استنكاره لاستمرار الكيان الصهيوني حصاره وقمعه للشعب الفلسطيني واغتيالهم للمناضل محمود المبحوح وتهويد القدس بدلاً من تبريراته بأن الدبلوماسية تفرض عليه الالتقاء بالجميع"، مشيراً إلى أن "كثرة من الدبلوماسيين العرب والمسلمين وحتى بعض الغربيين الشرفاء يمانعون مثل هذه اللقاءات ويرفضون الاجتماع مع ايه جهة صهيونية داعمة للكيان الصهيوني في أمريكا وأوروبا تعبيراً عن الاحتجاج والاستنكار لممارسات الكيان الصهيوني  القمعية واللإ إنسانية بحق شعبنا الفلسطيني".وأوضح "الحكومة البحرينية والخطاب الرسمي ما زال مصراً على تطبيق شعار "قولوا ما تشاءون ونفعل ما نشاء" مستهزئين بمشاعر الشعب البحريني والشعب العربي والمسلمين، وأصبحوا ملكيين أكثر من بعض الدول الغربية وأكثر من الدول العربية التي لديها علاقات دبلوماسية وسياسية مع الكيان الصهيوني".وطالب عبدالملك مجلس الشورى "الإقدام على خطوة جريئة ووطنية وقومية بالموافقة على القانون المرفوع إليه  من مجلس النواب بتجريم التعامل مع الكيان الصهيوني وإخراجه من الملفات المغلقة، بعد أن توضح أن حكومة البحرين تهرول في تعزيز التطبيع وفرضه كأمر واقع على البحرين وشعبها العربي الأصيل"، مؤكداً إن "مثل هذه السياسات الانهزامية والتطبيعية تشوه سمعه البلاد أمام الشعوب المناضلة والمكافحة والمؤمنة بالحرية والاستقلال ومقاومة الاحتلال والاستيطان والقمع"

powered by
Soholaunch website builder
 

©2012 Originality Movement / Tayseer Nazmi